رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتاجرون بخراب سريلانكا

أزمة إنسانية كبيرة تشهدها سريلانكا، التى يعانى مواطنوها، منذ شهور، نقصًا فى الغذاء والدواء، ويحدّ شح الوقود من قدرتهم على التنقل ويتسبب فى انقطاع الكهرباء بشكل شبه دائم. وما زال أكثر من ثلاثة أرباع سكان الجزيرة، البالغ عددهم ٢٢ مليونًا، مهددون بالجوع، إثر التضخم المتسارع. وقد يزداد الوضع تعقيدًا، اليوم الأربعاء، مع استقالة الرئيس جوتابايا راجابكسا، الذى كان قد اضطر، السبت الماضى، إلى مغادرة المجمع الرئاسى قبل أن يجتاحه المتظاهرون.

مع كل ذلك، يرى اللواء جميل السيد، الذى كان مدير عام الأمن اللبنانى بين عامى ١٩٩٨ و٢٠٠٥، أن الوضع فى سريلانكا أفضل منه فى لبنان، وكتب فى حسابه على تويتر: «هُم شعبٌ واحد ونحن شعوب، هم دولة واحدة ونحن دويلات... إلخ»، أو إلى آخر ما يقطع بأن الأستاذ اللواء لا يعرف أين تقع سريلانكا، ولم تصله أخبار حربها الأهلية، التى استمرت لـ٢٦ أو ٣١ أو ٣٧ سنة. وما قد يضحكك، أيضًا، أن شخصًا اسمه عصام عبدالشافى، تصفه شبكة «الجزيرة» القطرية بأنه «باحث وأكاديمى مصرى» كتب على موقع تلك الشبكة، أن الرئيس المستقيل «ظل لنحو ١٧ عامًا يتحدث عن إنجازات وهمية»، مع أن الرجل تولى الحكم فى نوفمبر ٢٠١٩، وفصلته أربع سنوات، هى سنوات حكم متريبالا سريسينا، عن سنوات حكم أخيه الأكبر!.

المنطق يقول إن الاضطرابات السياسية ستؤدى إلى إبطاء جهود سريلانكا لإخراج نفسها من أزمتها، خاصة مع استقالة رانيل ويكرمسينج، رئيس الوزراء، الذى يتولى أيضًا وزارة المالية، ويدير المفاوضات مع صندوق النقد الدولى للحصول على حزمة إنقاذ محتملة لتك الدولة، التى تحتاج إلى ستة مليارات دولار، حتى نهاية العام، لشراء الوقود والسلع الأساسية الأخرى، وتحقيق بعض الاستقرار فى اقتصادها المنهار. 

ذهب الرئيس، إذن، ورئيس الحكومة وبقيت الأزمة، التى قد لا تنتهى على الأرجح، إلا لو قام البرلمان فى ٢٠ يوليو الجارى، باختيار ساجيت بريماداسا رئيسًا بالوكالة، لإكمال ولاية راجابكسا، التى تنتهى فى نوفمبر ٢٠٢٤. وغالبًا، كان «بريماداسا» هو المخاطب، بفتح الطاء، ببيان الخارجية الأمريكية، الصادر يوم الأحد الماضى، والذى حث من وصفتهم بـ«قادة سريلانكا المستقبليين» على «العمل سريعًا» من أجل تحديد وتنفيذ الحلول التى من شأنها استعادة الاستقرار الاقتصادى وتهدئة السخط الشعبى.

بريماداسا، ٥٥ سنة، الذى يقود الحزب الوطنى المتحد، كان قد خسر الانتخابات الرئاسية السابقة، لكنه يحظى بدعم مجموعات سياسية وأحزاب صغيرة ودول كانت تدعم والده، الرئيس الأسبق راناسينجا بريماداسا، الذى اغتالته حركة «نمور التاميل» فى مايو ١٩٩٣، ما يعيدنا إلى المعجنة السياسية، التى كنا قد تناولناها فى مقال سابق، والتى بدأت قبل يوليو ١٩٨٣ الأسود، ولم تتوقف بعد انتهاء الحرب الأهلية، فى مايو ٢٠٠٩ وعودة الاستقرار النسبى، والتى قادت، مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة، إلى يوليو الأسود الحالى.

فى تلك المعجنة، كان بريماداسا الأب رئيسًا للحكومة فى يوليو الأسود الأول، وكان يوصف بأنه خليفة الرئيس جونيوس جاياواردينى، وبالفعل حين قرر الأخير التقاعد سنة ١٩٨٩ عن عمر يناهز ٨٢ سنة تم تنصيب خليفته رئيسًا فى ٢ يناير ١٩٨٩. وكلاهما كان صديقًا للولايات المتحدة، ومع بداية ١٩٨٤، أعادا بناء على طلبها، أو أمرها، العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، التى تم قطعها سنة ١٩٧٠، واستعانا بخبراء عسكريين إسرائيليين فى حربهما ضد «نمور التاميل»، ولم يلتفتا إلى رد فعل الدول العربية التى سحبت سفراءها، وقامت بتعليق قرض كان مخصصًا لتمويل مشروع كبير للرى، و... و... وامتنعت عن استيراد العمالة والشاى من سريلانكا.

.. أخيرًا، نعتقد أن بريماداسا الابن، حال اختياره رئيسًا بالوكالة، سيقوم على الفور بتفعيل «اتفاقية الاستحواذ والخدمات الشاملة»، التى كانت واشنطن قد وقعتها مع كولومبو بالأحرف الأولى، وعلقها الشقيقان راجاباسكا. وعليه، سيقدم صندوق النقد الدولى حزمة إنقاذ عاجلة، وستقوم مجموعة العشرين خلال قمتها، المقرر عقدها فى نوفمبر المقبل، بتخفيف عبء الديون عن ثلاث أو أربع دول، من بينها سريلانكا، بموجب عملية «الإطار المشترك»، التى أقرتها المجموعة ونادى باريس للدائنين، فى أكتوبر ٢٠٢٠، ولم تحقق أى نتائج إلى الآن.