رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مصر» فخر لنا

يرجع تاريخ مصرنا الغالية، كما يسجله العلماء كثانى أقدم دول العالم بعد إيران والمؤرخ تاريخها بثلاثة آلاف ومائتين قبل الميلاد، ومصر تليها بثلاثة آلاف ومائة عام قبل ميلاد السيد المسيح، ثم تليهما فيتنام، ثم أرمنيا، فشمال كوريا، ثم الصين، فالهند، ثم جورجيا، والسودان، وآخر الدول التي يرجع تاريخها إلى ما قبل مولد السيد المسيح أفغانستان، وتاريخها ستمائة وثمان وسبعون قبل الميلاد.
والصورة المضادة لأحدث عشر دول عالمية تأتي السودان الجنوبي التي حصلت علي استقلالها في التاسع من شهر يوليو لعام ألفين وأحد عشر، ثم كوسوفو في عام ألفين وأحد عشر، والصرب عام ألفين وستة، ومونتينيجرو عام ألفين وستة، وتيمور الشرقية عام ألفين واثنين، وإريتريا ١٩٩٣، وجمهورية التشيك ١٩٩٣، وآخرها البوسنة والهرسك ١٩٩٣، ومن هذه الصورة السريعة لشكل الدول التي استعادت تاريخها نقدر موقع مصر الغالية التي ترد علي مقدمة دول العالم تاريخًا وثقافة وحضارة، تفردت عالميًا تاريخًا ورسالة حتي سجلت موقعها العالمي الذي من الصعب، بل شبه المستحيل أن تجد طفلًا في أعوامه الأولى من التعليم لا يعرف مصر تاريخيًا، ثم جغرافًيا وعلميًا، فهل كمصري تستمتع بتاريخك؟ ورغم ما أحيط بها أو عليها ظلت مصر هي مصر لا بالأهرامات المشيدة، ومع آلاف السنين لإقامتها لا تتزعزع، بل شامخة تشهد عن حكمة المصري القديم وعقيدته الجوهرية بألا فناء للإنسان الذي كرمه خالقه ووضع للجسد الترابي يعود إلي ترابه، أما الروح التي هي نفخة الخالق فتعود إلي خالقها الذي وضع للمؤمن أن يعود إلى خالقه، ولغير المؤمن ألا يفني الروح، لكنه لا يستريح، لأنه لم يعرف خالقه، ولم يعش وفق مسيرته.
فالروح التي لم تعش لخالقها لا تستريح، ليس ظلمًا من خالقها، ولكن لرفض المخلوق الحياة، كما طالبه خالقه بالتقوى والأمانة والحب والعطاء والثقة في وعد خالقه الذي وعد المتقين أن يفوزوا بحياة لا تفني وراحة لا ملل فيها ولا مرض أو عجز، بل حياة أبدية وسعادة ربانية لا تعرف مرضًا ولا وجعًا ولا فقرًا، وكذلك لا دموع ولا أنين، بل راحة أبدية لا يدنو منها ألم أو وجع، بل راحة أبدية يتطلع إليها الأحياء قبل الرحيل ومن جيل إلى جيل.
والسؤال الذي لا يبرح أفكارنا، بل وكل مسعانا: هل نحن على استعداد لهذا اليوم الذي يحدث لمرة واحدة وغير قابل للتكرار وهو الموت؟ فهل كل منا في موقعه ومرفقه عالمًا كان أو مجرد إنسان مولود في الأرض مستعدًا؟ وكما قال الشاعر كعب ابن زهير:
كل ابن أنثي وإن طالت سلامته      يومًا على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبور جنازة          فاعلم بأنك بعدها محمول
ألا كل شيء ما خلا الله باطل         وكل نعيم لا محالة زائل
وهنا نكرر السؤال الذي لا يبرح من ذهن أي عاقل: هل أنا مستعد لذلك اليوم الذي لا مناص منه ومهما بلغ المرء من حياته في سلامته حتى وإن طال العمر لسنين مديدة فأي مصير له يكون؟ وهل نحن لهذا اليوم مستعدون؟ سؤال لا مفر منه ينتظر الجواب لا إعلانًا أو إعلامًا، لكن يرن في الآذان ويطرق العقول ويكاد الجرس أن يصيح، لقد مضي زمانك وانتهي نهار حياتك وحل المساء الأبدي، وإذ بالطريق على مفرقين شتان نهاية كل منهما، ويدق الصوت إلى أين ذاهبون؟ ويبقي السؤال في آذاننا، بل وفي قلوبنا.
وعودة إلى عنوان الرسالة، فمصر ثاني أقدم دولة في العالم لها تاريخها ومنها دقت أجراسها ولا تزال ليس فقط لليقظة من النوم ولكن للعمل الجاد والسعي الدائم لانتظار تحقيق سمو الوعود، عريان خرجت من بطن أمي وعريان أعود، فالجسد الترابي يعود إلي مكانه والروح الربانية تعود لبارئها، فمن عاش منها وفق مسار ودعوة خالقها يسمع الدعاء يقول: ادخل إلى فرح سيدك، وإلا فالصوت يقول قد أغلق الباب وحل موعد الحساب.
لكل ما سبق، لنا الفخر بتاريخنا الذي عاشه أجيال لآجال ولا تزال تلد قادة وعلماء يعرفون قدر مصرهم، ويعملون على رفع مكانها ومكانتها، على يقين أنهم يعملون لمصيرهم، وكأنهم يعيشون أبدًا ويعملون لآخرتهم وكأنهم راحلون غدًا حتى تظل مصر كما أرادها خالقها وسهر ويسهر على راحتها قادة أمناء، فإلى الإمام مصرنا الغالية.