رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أديب القضاة.. رحلة قاضى «نيرة أشرف» من الأدب إلى منصات العدالة

المستشار بهاء الدين
المستشار بهاء الدين المري

«المستشار بهاء الدين المري» رجل حكيم طغى الشيب رأسه ليخرج لنا بعبر وعظات تُخجل مرتكب الأخطاء عن أفعاله. أعاد لنا الحق وجعلنا نراه دون أن تشوبه تأثيرات أبواق «السوشيال ميديا» ودموع التماسيح التي تكتسي وجوه الذئاب البشرية حاصدي أرواح البشر.

كان للقاضي الجليل العديد من القضايا التي باشرها وأُنهى بنصر المظلوم وبعتاب الظالم بكلمات قاسية، ولكن ذاع صيته مؤخرًا بسبب حكمته وخبرته في إدارة جلسة المتهم محمد عادل، المتهم بذبح زميلته نيرة أشرف، الطالبة أمام جامعة المنصورة على مرأى ومسمع من الجميع في فجر وجرأة لم يعتدها أحد من قبل ضاربًا بقيم الإنسانية عرض الحائط؛ ليعود به المستشار بهاء الدين المري إلى أرض الواقع ويواجهه بجريمته الشنعاء أمام الجمع بكلمات قاسية تفيقه من غفلته، وتعيد له ذهنه المعتوه بأفكاره الانتقامية المسمومة ليجلده قبل أن يجلد نفسه ويعدم ضميره الجاني.

من هو المستشار بهاء الدين المري؟

القاضي الجليل من مواليد مركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة، ومُحاضر بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية لتدريس التدريبات العملية فى القانون الجنائى من 2005- 2019.

كما أنه شغل منصب عضو اتحاد كتاب مصر ونادى القصة، وعمل وكيلًا للنائب العام فى الثمانينات، ومعاونًا للنيابة العامة فى منوف، ثم مديرًا لها حتى عمل فى القضاء.

عمل قاضيًا بمحكمة الإسكندرية الاستئنافية، ثم رئيسًا لنيابة الدخيلة وغرب الإسكندرية وكفرالشيخ الكلية، وعمل عقب ذلك مستشارًا في دوائر الجنايات حتى صار رئيسها مؤخرًا، ويشغل منصب رئيس الدائرة الثانية جنايات المنصورة، بمحافظة الدقهلية.

عاشق اللغة الغربية وشعرها

اشتهر المستشار بهاء الدين المري بحبه وعشقه للغة العربية ومفرداتها وقصائدها وشعرها، وبات متأثرًا لها دائمًا في خطاباته التي يلقها وصيحاته التي يوجهها للجناة، قبل أن يجلدهم بحكمه، فبات شاعرًا وأديبًا، حيث امتلك العديد من المؤلفات القانونية والقصص والروايات.

أشهر مؤلفاته

ولأديب القضاة المستشار بهاء الدين، كما يلقبه أعضاء نادي القضاة في الساحة، أو قاضي الأدباء، كما يفضل، عدد من المؤلفات في القانون مثل كتاب «هكذا ترافع العظماء»، وفي الروايات مثل: «أنا خير منه»، «يوميات ‏وكيل نيابة»، «يوميات قاض»، «حكايات قضائية»، «برجولا»، «لحظة انهيار».

واشتهر بكتابة القصص القصيرة مثل «حيرة أمل»، «فيض الخاطر»، شعر «الحب قبل المداولة»، وله أيضًا مؤلفات تاريخية واجتماعية، منها «القتل باسم الوطن ‏والدين»، «العزة بالإثم»، «دنشواي»، «القضاء في الإسلام»‎.

انتشار خطاباته على السوشيال ميديا

كلماته انتشرت كالريح على مواقع التواصل الاجتماعي في قضية دكتورة المنصورة التي دفع شقيقها عاطلًا على خطفها والتعدي عليها جنسيًا، للحصول على ميراثها عقب تكبيل يديها لتصويرها عارية؛ لابتزازها، فكانت كلمات القاضي للشقيق الجاني أحرق من النار وألذع من أكل السحت فقال له: «ألقـت بك المقادير في يم الحياة طفلًا يتيم الأبوين فقيض الله لك أختًا، ما كانت امرأة سـوءًا ولا بغيًا، بصرت بك عن قرب وأنت لا تشعر، ومشـت بك في دروب الحياة على استحياء، حتى بلغت رشدك، ولما شـببت عن الطوق ما شددت عضدها بل عـريتها لغريب ينهش لحمها؛ لتأكل ميراثها ظلمًا، آمنتك في سربك؛ فروعتها على الملأ، دثرتك في ظلمة الليل؛ فكشفت سترها نهارًا ولم تـزع فيها يا أخاها إلا ولا ذمة، ولا لصلة الدم والرحم حرمة، لقد جئت شيئًا فريًا فإذا كان الملح يقي اللحم الفساد فمن يصلح الملح إذا الملح فسد».

أشهر القضايا التي حكم فيها

قضت ‏هيئة المحكمة برئاسة المستشار بهاء الدين المري، بمعاقبة المتهم بالاشتراك مع عاطل على هتك عرض شقيقته بالسجن المشدد 10 سنوات عما أسند إليه، ‏وقال إن هذه القضية ليست مجرد قضية هتك عرض ولكنها أمارةٌ يقينية على خلل اجتماعي.

وقضية مغتصب طفلته قال له: «وطأت بنتك ونهشت لحمك وذبحت الأبوة، إن المتهم جرمه شنيع، وألقت به الشهوات في الخطيئة، فتناسى الأبوة، ولم تكن ضحيته إلا طفلته ابنة الستة عشرة عامًا، ونهش عرضها أكثر من مرة، وأكل لحمها حيًا في جرأة، وأحل رباط الدم إلى ماء مهين».

وفي قضية قتل شاب حرقًا من صهره قال مخاطبًا له: «فكرت بالقتل وأنت تقرأ القرآن»، ومؤخرًا قضية نيرة أشرف حينما قال للقاتل: «جـئتَ بفعلٍ خَسيس هــزَّ أرضًا طيبةً أَسَرَت لويس، أَهــرَقتَ دَمًا طاهرًا بطعَـناتِ غَـدرٍ جَـريئة، ذبَحتَ الإنسانيةَ كلها، يومَ أنْ ذبَحَتَ ضَحيةً بريئة، إنَّ مَثَـلَكَ كمَثلِ نَـبتٍ سامٍ في أرضٍ طيبة، كُلما عَاجَـلَـهُ القَطعُ قبلَ أن يَمتـدَ، كان خيرًا للناسِ وللأرضِ التي نَـبتَ فيها».

وقرر إحالته للمفتي للبت في إعدامه ليشفي غليل قوم مؤمنين، ويرحم والديها ويعيد للمجتمع النظر في الحلال والحرام، وإعادة الحب والسلام إليه من جديد عندما نفي أن ما فعله المتهم يُعتبر حبًا، فقال له: «المؤنسِاتُ الغالياتُ صِرن في نظر المَوتُورينَ سِلعة، والقواريرُ فَـواخــير، ونَفسٌ تَـدثـَرت برداءِ حُبٍ زائفٍ مَكذوب. تأثرت بثقافةِ عَـصر اختَـلطت فيه المَفاهيمُ، الـرغبةُ صَارت حُبًا، والقتلُ لأجلهِ انتصارًا، والانتقامٌ شَجاعةً، والجُرأةَ على قِـيَم المُجتمع وفُحشِ القَـولِ والعلاقاتُ المُحـرَّمةُ، تُسمَّى حُـريةً مَكفولة».

اعتذار رسمي لشرفه وأمانته

كانت تقدمت نقابة المحامين باعتذار رسمي إلى المستشار بهاء المري، رئيس محكمة جنايات المنصورة، عن تصرف مشين لمحامين زوروا تهمة لنجل القاضي، لإجباره عن التنحي عن نظر اتهام رجل أعمال في قضية هتك عرض، وعندما أحال الواقعة للتحقيق ثبت زيفها وتلفيقها، وإحالة محامين وآخرين للمحاكمة، فاعتذرت النقابة له.