رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ووترجيت من زاوية أخرى

خمسون سنة مرّت، أمس الجمعة، على وقوع حادث السطو، الذى كشف لاحقًا عن فضيحة التجسس على مكتب اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطى الأمريكى بمبنى ووترجيت، التى تسببت فى استقالة ريتشارد نيكسون، الرئيس السابع والثلاثين للولايات المتحدة.

فى ١٧ يونيو ١٩٧٢، تم إلقاء القبض على خمسة أشخاص تسللوا إلى المكتب، واتضح أن هدفهم لم يكن السرقة، بل إصلاح أجهزة تنصت تم زرعها قبل ثلاثة أسابيع. وكان من الممكن أن يمر هذا الحادث فى هدوء، لولا وجود بطل القصة الرئيسى، الذى لعب دوره هال هولبروك فى فيلم «كل رجال الرئيس»، المأخوذ عن كتاب بالعنوان نفسه لبوب وودورد وكارل بيرنستين، الصحفييّن فى «واشنطن بوست»، اللذين سرب لهما ذلك الرجل معلومات تكشف عن وجود علاقة بين ذلك الحادث وجهات رسمية عديدة، من بينها وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالى ووكالة المخابرات المركزية، و... و... وصولًا إلى البيت الأبيض.

صدر الكتاب سنة ١٩٧٤، وتم عرض الفيلم سنة ١٩٧٦، ولم يكن يعرف اسم ذلك الرجل غير وودورد وبرنستين، ورئيس تحريرهما، بن برادلى، واتفق الثلاثة على أن يظل سرًا حتى وفاته. لكن أواخر مايو ٢٠٠٥ أعلن مارك فيلت عن نفسه، فى حوار مع جون دى أوكونور، نشرته مجلة «فانيتى فير»، وأكد «وودورد» المعلومة. وفى السنة التالية، ٢٠٠٦، قام الاثنان، فيلت وأوكونور، بإصدار كتاب كشف فيه «فيلت» بشكل غير مباشر، عن سبب تسريبه المعلومات، حين زعم أن مسئولى البيت الأبيض استعانوا بـ«بالقائم بعمل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى، المعيّن سياسيًا، ليطلعهم على المعلومات ويحاول أن يقيد التحقيقات».

فيلت، Mark Felt، الذى رحل فى ١٨ ديسمبر ٢٠٠٨ عن عمر ناهز ٩٥ سنة، بدأ عمله فى مكتب التحقيقات الفيدرالى سنة ١٩٤٢، تدرج فى المناصب حتى صار نائبًا لمدير الوكالة، سنة ١٩٧١. وقال إنه تعرف على «وودورد» مصادفة فى البيت الأبيض سنة ١٩٧٠، عندما كان الأخير ضابطًا فى البحرية، وبعد أن أصبح صحفيًا، ساعده فى خبر عن محاولة اغتيال جورج والاس جونيور، حاكم ولاية ألاباما. 

الغريب هو أن محاولة الاغتيال حدثت فى ١٥ مايو ١٩٧٢، أى بعد ١٣ يومًا من وفاة إدجار هوفر، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالى، الذى كان «فيلت» ينتظر، يتمنى، يتعشم أو يراهن على أن يخلفه. لكن وقع الاختيار على إل. باتريك جراى، L. Patrick Gray، الذى استمر فى منصبه، قائمًا بالأعمال، حتى ٢٧ أبريل ١٩٧٣، وتولى بعده ويليام روكلزهاوس، لمدة ثلاثة أشهر، قبل أن يشغل المنصب كيليرنس كيلى منذ ٩ يوليو ١٩٧٣ حتى ١٥ فبراير ١٩٧٨. ما يعنى أن «فيلت» تم تخطيه مرتين أخريين، فكان أن قرر التقاعد. 

ظلّ «فيلت» بعيدًا عن المشهد العام، حتى تم اتهامه سنة ١٩٧٨، بارتكاب تسع عمليات تنصت غير قانونية، بين عامى ١٩٧٢ و١٩٧٣، على عائلات وأصدقاء جماعة «ويذر أندر جراوند». وهى الاتهامات التى أدين عنها، سنة ١٩٨٠ غير أن الرئيس دونالد ريجان أصدر قرارًا بالعفو عنه، فى العام التالى، ووقتها انتقد المدعى العام جون دبليو نيلدز القرار، وأكد أن ريجان ما كان سيصدره لو اطلع على التحقيقات وعرف وقائع القضية.

الأكثر من ذلك، هو أن «فيلت» اعترف فى مذكراته، التى شاركه فى كتابتها رالف دى توليدانو، بأنه شارك، تحت قيادة «هوفر»، فى عمليات التجسس على مارتن لوثر كينج، التى اتضح لاحقًا، بحسب ما نشرته جريدة الإندبندنت البريطانية فى ٢٨ مايو ٢٠١٩، أنها كانت محاولة من مكتب التحقيقات الفيدرالى، لتشويه سمعة زعيم الحقوق المدنية، وأن المكتب أطلق عملية ضخمة استعان فيها بعدد كبير من المخبرين السريين للتنصت على مكالماته التليفونية والتجسس على منزله والغرف الفندقية التى كان يقيم فيها!

.. وتبقى الإشارة إلى أن إدجار هوفر، كان أول رئيس لمكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى، وظل يشغل المنصب منذ ٢٣ مارس ١٩٣٥ حتى وفاته، أى لمدة ٣٧ سنة متصلة. وانتهت لجنة تحقيق شكلها الكونجرس، سنة ١٩٧٥، إلى أنه أساء استخدام سلطته وكسب رضا الرؤساء المتعاقبين بجمع فضائح عن معارضيهم!.