رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: ماذا قال الرئيس عن 25 يناير و30 يونيو؟

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز

دعوت الجميع إلى الحوار لأننا الآن لا بد أن نجلس جميعًا للحديث عن المستقبل

ما حدث فى 30 يونيو كان غير مسبوق فى أى مكان وأى زمان وهو التعبير الحقيقى عن إحساس المصريين بوطنهم

«أنا مش بتاع كلام كتير». 

استخدم الرئيس عبدالفتاح السيسى هذا التعبير أكثر من مرة خلال لقائه معنا، مجموعة الإعلاميين والصحفيين الذين حضروا إلى جواره افتتاح مشروع مجمع الإنتاج الحيوانى والألبان بمدينة السادات. 

قالها عندما كان السؤال عن سد النهضة، وأين نقف فى هذا الملف؟ 

لم يتطرق إلى تفاصيل كثيرة تشهدها اجتماعات الغرف المغلقة، ولا الجهود الدبلوماسية والسياسية والقانونية التى تباشرها مصر لحسم النتيجة، بما يتوافق مع مصلحة الشعب المصرى وأمنه القومى. 

اكتفى الرئيس بأن قال: لن يقترب أحد من حصة مصر من المياه. 

وقبل أن يختم حديثه، قال: هذه هى إجابتى. 

قالها الرئيس مرة أخرى، عندما كان السؤال عن الحوار الوطنى، ولماذا دعا إليه فى حفل الإفطار الأسرة المصرية؟ 

يعرف الرئيس ردود الأفعال على دعوته إلى الحوار، مَن تحمس ومَن تردد، من بادر ومن تلكأ، من اعتبرها فرصة للمشاركة فى العمل الجاد والحقيقى من أجل الوطن، ومن تعامل معها على أنها فرصة سانحة للحصول على مكاسب. 

ونعرف جميعًا أن هناك من حاول اختطاف الحوار الوطنى إلى مساحات سياسية لا ظل لها على الواقع، عندما أقنعوا أنفسهم بأن النظام عندما دعاهم للحوار، كان يطلب عونهم ومساعدتهم فى الخروج من مأزق. 

قال الرئيس: دعوت الجميع إلى الحوار لأننا الآن لا بد أن نجلس جميعًا للحديث عن المستقبل.. لم أفعل ذلك من باب المزايدة أو السعى وراء كسب معين أو المناورة السياسية.. لو فعلت ذلك من باب المناورة ما كنت أستحق أن أقف أمامكم الآن. 

ومرة ثانية يكتفى الرئيس بما تحدث به، ويقول: هذه هى إجابتى. 

قناعة الرئيس بأنه «مش بتاع كلام كتير» أراها واضحة بالنسبة لى لأنه يتحدث بحسم فى قضايا شائكة كثيرة، يقول ما يعتقد أنه خلاصة الأمر، وما يجب أن يعرفه الناس، فهو يعتقد برصيد الثقة الكبير الذى منحه المصريون إياه، وما دمنا نثق فيه، فلا بد أن نثق فى كلامه القليل عن القضايا الكبرى، لأنه يتحرى الصدق فى كل ما يقوله. 

كانت إجابات الرئيس عن تساؤلاتنا مكثفة ومركزة. 

فعل ذلك عندما تحدث عما تقوم به الدولة المصرية من جهود فى محاولات تخفيف أعباء الأزمة الاقتصادية العالمية. 

وعندما اقترب من الموقف المصرى من حالة الاستقطاب العالمى حول الأزمة الروسية الأوكرانية. 

وعندما أشار إلى ما يحدث فى ليبيا. 

وعندما تطرق إلى ما يراه بخصوص الودائع الخليجية فى البنك المركزى المصرى، والتى دعا لتحويلها إلى استثمارات. 

لكن الأمر تغير عندما تطرق الحديث إلى ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو. 

هنا منح الرئيس نفسه، ومنحنا، مساحة أكبر من الحديث. 

تحدث الرئيس كثيرًا وفى مناسبات مختلفة عن أحداث ٢٥ يناير، ويمكننا أن نلخص موقفه منها بما قاله إنها كانت دواءً خاطئًا لتشخيص خاطئ، فهو لم يعتب على الناس غضبهم، ولا خروجهم من أجل التغيير، فمن الطبيعى أن تسعى الشعوب إلى التغيير، فهو حقهم الطبيعى، لكن الأداة التى لجأ إليها المصريون إلى التغيير هى التى يجب أن نتوقف أمامها، فليس معقولًا ولا منطقيًا أنك عندما تسعى إلى تغيير صورة وطنك تقوم بهدمه. 

هذه المرة أخذنا الرئيس إلى ما يعتقد أنه الخطر الأكبر الذى يمكن أن يهدد مصر. 

كان الرئيس يتحدث عن حالة الرضا المجتمعى التى يجب أن تتوافر للجماهير، والتى تعمل الدولة على تعظيم قيمتها، لأن الناس إن لم يكونوا راضين بالقدر الكافى فإنهم يمكن أن يسلكوا طرقًا غير صحيحة للتعبير عن غضبهم، وهو الغضب الذى لا يشكل خطرًا على النظام فقط، ولكنه يمثل خطرًا كبيرًا على الدولة نفسها. 

يقول الرئيس: أنا لا أخشى على المنصب، ولكن أخشى على مصر، فعندما خرج الناس كادت مصر أن تضيع، بل ضاعت بالفعل، والله وحده هو مَن يعلم كيف عادت، وعندما عادت كانت الخسائر كبيرة، وقد قلت لكم قبل ذلك إن تبعات ما جرى لا تسقط بالتقادم، ولكنها تظل مؤثرة. 

وأضاف الرئيس: وقتها كنت فى منصب استطعت من خلاله أن أعرف ما جرى على الأرض، وكيف كانت هناك محاولات لإسقاط الدولة، وما يجب أن نقوم به الآن، هو أن نقاوم وبشدة أى محاولات لإسقاط الدولة، لأنها لو سقطت لن يستطيع أحد أن يستعيدها مرة أخرى، وانظروا لما جرى حولنا، كان الله كريمًا معنا، عندما قرر أن يسند ظهر هذا البلد، وواجبنا الآن ألا نفرط فى فضل الله علينا. 

حديث الرئيس عن ٣٠ يونيو كان مختلفًا. 

فى كل عام يقوم الرئيس بتوجيه كلمة إلى المواطنين فى ذكرى الثورة العظيمة، لكن هذه المرة كان حديث المشاعر غالبًا، ربما هى المرة الأولى التى أسمع الرئيس وهو يتحدث عما جرى فى ٣٠ يونيو بهذه الروح وهذا الحماس وهذا الإعجاب، وربما بهذا الامتنان أيضًا. 

قال الرئيس إن ثورة ٣٠ يونيو لم يحدث مثلها فى التاريخ، فلم يتحرك شعب فى العالم كله بهذه الأعداد الهائلة لتغيير الواقع فى أى مكان ولا فى أى عصر. 

ولأن ما حدث كان غير مسبوق، فقد تعامل معه السيسى تعاملًا غير مسبوق. 

وقتها كان وزيرًا للدفاع. 

قال: أمرت أن تخرج الطائرات لتقوم بتصوير هذه الحشود، ولم يحدث هذا فى القاهرة أو الإسكندرية فقط، ولكن فعلنا ذلك فى كل المحافظات، وذلك حتى نقول للعالم إن الحشود كانت هائلة، وإن الرغبة فى التغيير كانت كاسحة، وإن هذه الأعداد لا يمكن أن يحركها إلا شىء حقيقى ورغبة صادقة فى التغيير. 

فى حديثه عن ٣٠ يونيو كشف الرئيس، وربما لأول مرة، سرًا من أسرار ٣٠ يونيو، فبعد أن تم التغيير خرجت الدعايات الكاذبة لتشوه ما جرى، مدعية أن التغيير فى مصر جرى بالقوة، وأن ما حدث لم يكن ثورة، بل انقلاب. 

راهن الرئيس على الشعب المصرى، أراد أن يبرهن للعالم كله على أن المصريين خرجوا بإرادتهم الحرة، لم يخرجهم أحد، ولم يضع أحد الهتافات على ألسنتهم، بل كانوا يعبرون عما يريدونه هم، ولذلك قرر أن يرى العالم الحشود مرة أخرى. 

عندما وقف الرئيس فى الإسكندرية يتحدث فى حفل تخريج طلاب الكلية البحرية، يوم الأربعاء ٢٤ يوليو ٢٠١٣، ليدعو المصريين إلى إعطائه تفويضًا وأمرًا لمواجهة العنف والإرهاب المحتملين، ويطلب منهم الخروج إلى الشوارع والميادين يوم الجمعة ٢٦ يوليو، لم يكن يهدف إلى الحصول على التفويض فقط، ولكنه كان يريد التأكيد للعالم كله أن الشعب المصرى خرج للتعبير عن رغبته فى التغيير فى ٣٠ يونيو، وها هو يخرج مرة ثانية لتوثيق هذه الرغبة. 

كانت التقديرات لأعداد المصريين الذين خرجوا فى الفترة من ٣٠ يونيو إلى ٣ يوليو ٢٠١٣ تشير إلى أنهم ما بين ٣٠ و٣٥ مليون مصرى شاركوا فى الثورة، بينما تشير التقديرات لأعداد المشاركين فى خروج ٢٦ يوليو إلى أنهم اقتربوا من ٥٠ مليون مصرى، واصلوا الهتاف والتأكيد على أنهم قرروا استرداد وطنهم. 

أكد الرئيس لنا أن ما حدث فى ٣٠ يونيو كان غير مسبوق فى أى مكان وأى زمان، وهو التعبير الحقيقى عن إحساس المصريين بوطنهم، وهو يراهن على هذا الوعى طوال الوقت، فالمصريون الذين رفضوا كل محاولات هدم بلدهم، لن يستسلموا أبدًا، ولن يفرطوا فيما قدموه من أجل أنفسهم ومن أجل الأجيال القادمة. 

المقارنة التى عقدها الرئيس السيسى على هامش التساؤلات التى وضعناها أمامه فى لقائنا معه، جعلتنا نعرف جيدًا أين يقف الرئيس، ولماذا يصر على أن يمضى إلى الأمام متحديًا الزمن، فالوطن الذى قمنا باسترداده لا بد أن ندعمه جميعًا، ولن يكون هذا الدعم مجديًا إلا بالعمل المتواصل الذى يجب ألا ينقطع أبدًا.