رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كانت مشاجرة الملطي والمكاري مسمار جحا للاحتلال

قصة مذبحة الإسكندرية وكيف قادت إلى الاحتلال الإنجليزى لمصر فى «حوليات» أحمد شفيق

مذبحة الإسكندرية
مذبحة الإسكندرية

شهدت مدينة الإسكندرية في مثل هذا اليوم من العام 1882 حوادث عنف مدبرة من الجاليات الأجنبية القاطنة في المدينة، لتمهيد الطريق إلى الاحتلال الإنجليزي لمصر، والتي يسجلها المؤرخ أحمد شفيق باشا في حولياته، مشيرا إلى أنه: وقعت مذبحة الإسكندرية الشهيرة على إثر خصام قام بين رجل مالطي وأحد المكاريين “الحمارة”، فكان لوقوعها أسوأ أثر في الديار الأوروبية، واستولي الذعر على أفئدة الأجانب. 

ورأي الخديوي توفيق تهدئة خواطر الأوروبيين أن ينتقل إلى الإسكندرية، ولكن الهلع كان قد تمكن من قلوبهم فغادر الجانب الأعظم منهم البلاد.

ــ تدمير طوابي الإسكندرية واحتلال الإنجليز لمصر

وفي صبيحة يوم 11 يوليو من العام نفسه 1882، ضرب الإسطول الإنجليزي طوابي الإسكندرية فأسكتها في اليوم نفسه، وانسحب العرابيون إلى كفر الدوار، ورجع الخديو توفيق إلى قصر التين، فاحتل الإنجليز المدينة، وكان العرابيون قد أشعلوا النيران عمدا في أبنيتها الضخمة ليسهل نهب مخازنها ولئلا يتركوها لقمة باردة في أيدي الإنجليز.

ويلفت شفيق باشا إلى أنه: وهكذا انتهت هذه المأساة بواقعة التل الكبير في 13 سبتمبر سنة 1882 التي أعقبها خذلان العرابيين واحتلال الجنرال “لو” قائد الخيالة الإنجليزية القلعة في 14 منه “سبتمبر” واحتلال العاصمة في 15 منه، في الوقت الذي كان مؤتمر الدول لا يزال منعقدا في الأستانة للمناقشة في المسألة المصرية.

وقد أصبحت مصر منذ سنة 1882 في مركز دولي غير مستقيم، فبينما كانت مستقلة استقلالا داخليا، إذا بها من جهة أخرى كانت محتلة بالجنود البريطانية التي دخلتها في السنة المذكورة لإخماد الثورة العرابية. ولقد كان هذا الاحتلال مؤقتا لغرض واحد وهو تأييد عرش الخديو توفيق الذي كان عرابي وأعوانه قد خرجوا عليه.

دخلت إنجلترا البلاد واحتلتها احتلال عسكريا لهذه الغاية، مقررة قبل دخولها ببضعة أيام في عقد “ترابيا” الدولي الشهير ألا تسعي لتملك أي جزء منها أو أي شىء من مرافقها ولا للحصول على مركز ممتاز لنفسها فيها. مجاهرة بأنها إنما دخلت البلاد دخول الصديق لا دخول العدو، وأنها لن تلبث إلا يسيرا حتى تخلي البلاد وتتركها لأهاليها.

ويضيف أحمد شفيق باشا في حولياته: فلما عادت الأمور إلى مجاريها واستتب الأمر للخديو توفيق ظل الاحتلال باقيا في مصر بحجة توطيد الأمن العام وتنظيم إدارة البلاد وماليتها. حجة في الحقيقة ناهضة لأنهم لم يكلفوا بذلك ممن لهم شأن في البلاد، إنما هي معايير انتحلوها لتثبيت أقدامهم في وادي النيل الذي يطمعون فيه منذ زمن بعيد. ودعاوى لم ترتكز على دليل له وزن إلا في سياسة الاستعمار.

فكانت فاتحة أعمالهم مداخلتهم في محاكمة العرابيين، هذه المداخلة التي أدت إلى استعفاء رياض باشا ثم أعقبها حل الجيش القديم الذي ائتمر بإمرة عرابي وزمرته وحارب الإنجليز تحت لوائهم، وإنشاء جيش جديد تحت مرة سردار بريطاني يعلوه نفر من الضباط الإنجليز بمرتبات عالية.

ــ استبدال مستشار مالي بالمراقبة الثنائية

ثم أوعز الإنجليز إلى الخديو بإلغاء المراقبة الثنائية التي كانت موجودة إذ ذاك من الفرنسيين والإنجليز، محاولين بذلك إخراج القضية المصرية من دوليتها لتتمكن الحكومة الإنجليزية من التصرف في شئونها دون معارضة، واشترطت إنجلترا أن يستبدل بالمراقبة الثنائية مستشار مالي أجنبي في الحكومة المصرية يشرف علي ماليتها. وعلى ذلك استقال المستر “كولفن” المراقب الإنجليزي ثم عين هو نفسه مستشارا ماليا للحكومة.