رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسئول البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة: مصر حققت طفرة كبيرة فى مجال الطاقة (حوار)

 الدكتور محمد بيومى
الدكتور محمد بيومى

قال الدكتور محمد بيومى، مساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى مصر، إن هناك طفرة كبيرة فى مجال الطاقة المتجددة حدثت فى مصر خلال السنوات الخمس الماضية، تضمنت تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية ومزارع الرياح ومحطات تحلية المياه. وأضاف «بيومى»، لـ«الدستور»، أن البرنامج الإنمائى يتعاون مع الحكومة لتنفيذ مشروع استخدام الخلايا الضوئية صغيرة الحجم للمستهلكين لربطها بمحطة بنبان، وسيرتكز التعاون على تقديم تسهيلات ائتمانية وقروض ميسرة وليس منحًا، نظرًا لأن مشروعات الطاقة فرص استثمارية مربحة، وسيجرى توقيع اتفاق لتحويل شرم الشيخ إلى مدينة خضراء من خلال عدة مشروعات، من بينها تأهيل ٢٠ فندقًا بشكل عاجل لتغطية أسطحها بالخلايا الشمسية. وأشار إلى أن قمة المناخ التى تستضيفها مصر نهاية العام الجارى تعد حلقة ضمن سلسلة متصلة من الاجتماعات التى أدت- خلال العشر سنوات الماضية- إلى حدوث تطورات غير مسبوقة فى تكنولوجيات حديثة، وبالتأكيد لا نتوقع أن يحل مؤتمر واحد كل المشكلات، وإنما يأتى فى مرحلة مختلفة من التطور، فاليوم تتحدث الدول عن الوصول للحياد الكربونى بحلول عام ٢٠٥٠، وهو ما لم يكن يتحقق لولا حدوث هذا التطور التكنولوجى الكبير.

■ ما تقييمك لتجربة مصر فى التحول إلى المشروعات الخضراء والطاقة الجديدة؟

- ما حدث فى مصر خلال السنوات الخمس الماضية يعد طفرة كبيرة جدًا فى مجال الطاقات المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة، فعلى سبيل المثال، بدأ تنفيذ مشروع لمبات الليد عام ٢٠١٢ مع وزارة الكهرباء، وكان هناك بعض الشكوك حول نجاح المشروع بسبب تكلفته المرتفعة، لكن بتطور التكنولوجيا انخفضت أسعار اللمبات وانتشرت فى كل بيت مصرى، وأثمرت انخفاضًا فى استهلاك الكهرباء.

وهناك مشروعات الطاقة المتجددة، كمحطة بنبان لتوليد الطاقة الشمسية فى أسوان ومزارع الرياح، والجهود مستمرة حتى يحدث التحول الكامل للطاقة الجديدة والمتجددة، ونحن نعمل- حاليًا- مع وزارة الصناعة لاستخدام الخلايا الضوئية صغيرة الحجم للمستهلكين لربطها بمحطة بنبان، وسيرتكز التعاون مع تقديم تسهيلات ائتمانية وقروض ميسرة، وليس منحًا، نظرًا لأن مشروعات الطاقة فرص استثمارية مربحة، إلى جانب ذلك سيجرى توقيع اتفاق مع الحكومة لتحويل شرم الشيخ إلى مدينة خضراء من خلال عدة مشروعات، من بينها تأهيل ٢٠ فندقًا بشكل عاجل لتغطية أسطحها بالخلايا الشمسية.

■ ما التحديات التى تواجه جهود دعم التنمية المستدامة؟

- تحقيق التنمية المستدامة، بأهدافها الـ١٧، يواجه تحديات عديدة بسبب الضغوط الاقتصادية التى فرضتها جائحة كورونا وأزمة الحرب فى أوكرانيا، إضافة إلى تأثير التغيرات المناخية على مختلف الأنشطة الاقتصادية القائمة وصعوبة استمرارها، ما يتطلب زيادة وعى المواطنين والحكومات بخطورة هذه التغيرات المناخية.

جميعنا يرى تأثير الظواهر المناخية الحادة على المدن، مثل سقوط الأمطار بكميات كبيرة غير معتادة وتمدد مستويات البحر وغرق الأراضى فى المناطق الساحلية وانكماش الإنتاجية الزراعية لبعض المحاصيل.

■ إلى أى مدى يمكن أن تؤثر التغيرات المناخية على المستهدفات الأممية للحد من الفقر؟

- القضاء على الفقر يتعلق بتحقيق الأمن الغذائى، وهذا لن يحدث فى ظل تهديدات التغيرات المناخية، فلدينا بعض المحاصيل تنخفض إنتاجيتها بصورة كبيرة من عام لآخر، منها محصولا الزيتون والمانجو اللذان تراجع إنتاجهما خلال العام الماضى، بسبب ما يطلق عليه الظواهر الجوية الحادة، مثل حدوث موجات باردة فى فصل الصيف أو أيام حارة فى فصل الشتاء وعدم تتابع الفصول بشكل طبيعى، وغيرها من الأمور التى تؤثر على نمو النبات وإنتاجيته، وهو ما يهدد النموذج المستقر لنمو النبات ويتسبب فى تلف ٥٠٪ من المحاصيل عالميًا.

كما أن التغيرات المناخية الحادة تؤثر سلبًا على الكائنات الدقيقة، ما يترتب عليه ظهور فيروسات وكائنات جديدة مختلفة أكثر شراسة، وقد أرجع علماء ظهور فيروس كورونا المستجد إلى حدوث اختلالات فى الأنظمة البيولوجية الدقيقة، نظرًا لأن التنوع البيولوجى يعد واحدًا من أهم ٦ مجالات تتأثر بشكل كبير بتغيرات المناخ، بمعنى اختفاء كائنات وظهور أخرى.

وكلما كان هناك تسارع فى هذه العملية زادت مخاطر ظهور أوبئة، وهو ما يتطلب التكيف مع تلك الظواهر سريعًا وتغيير طريقة التعامل مع الموارد الطبيعية لحمايتها من الآثار السلبية للتغيرات المناخية.

■ هل يتعامل العالم بجدية مع أزمة التغيرات المناخية؟

- نعم، فقد ساعدت قمم المناخ المتعاقبة خلال السنوات العشر الماضية فى تطوير تكنولوجيا قادرة على الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، ما أثمر عن حدوث انخفاض كبير فى أسعار الطاقة البديلة.

أصبحت الطاقة الشمسية اليوم أرخص مصدر طاقة على الأرض، بما يعادل ٢٠٪ من تكلفة توليد الكهرباء من المحطات الحرارية العادية، وننتظر ظهور تقنيات جديدة يجرى تحديثها حاليًا، يمكن الاستفادة منها للتكيف من التغيرات المناخية.

■ ما السبب الرئيسى فى حدوث ظاهرة التغيرات المناخية؟

- تقارير اللجنة الدولية الحكومية للتغيرات المناخية- أعلى لجنة فى العالم مختصة بالعلوم المرتبطة بالتغيرات المناخية- تشير إلى أن حرق الوقود الأحفورى هو السبب الرئيسى فى حدوث التغيرات المناخية، وبالعودة إلى الماضى نجد أن كوكب الأرض تعرض لكثير من التغيرات المناخية على مدار ملايين السنين، لكن ما يؤكده تقرير اللجنة أن الكوكب يتعرض لتغيرات غير مسبوقة ومتسارعة، نتيجة ارتفاع نسب ثانى أكسيد الكربون لعدة أسباب، فى مقدمتها حرق الوقود الأحفورى.

■ كيف يمكن للدول النامية مواجهة ظاهرة تغير المناخ؟

- التصدى لآثار التغيرات المناخية يجب أن يسير فى اتجاهين، الأول تنفيذ مشروعات التخفيف والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، والثانى تنفيذ مشروعات التكيف مع التغيرات المناخية.

فى الشق الأول نتحدث عن فرص للاستثمار موجودة بالفعل دون انتظار الحصول على منح أو تمويل من دول أو مؤسسات بعينها، سواء من خلال خفض تكلفة الإنتاج باستخدام طاقة أرخص كالطاقة الشمسية، ما سيُحدث انقلابًا فى منظومة الطاقة على مستوى العالم، ويؤدى إلى خفض تكلفة المنتج وزيادة القدرة التنافسية.

أما مشروعات التكيف، فهى أحد الملفات المطروحة للتفاوض فى قمم المناخ المختلفة بين الدول النامية والمتقدمة، خاصة فى ظل تحمل الدول النامية تكلفة إضافية لتهيئة بنيتها الأساسية للتكيف من ظواهر التغير المناخى التى تسببت فيها الدول الصناعية الكبرى.

■ هل هناك آلية لإلزام الدول المتقدمة بتحمل تكلفة التكيف.. باعتبارها المتسبب فى التغيرات المناخية؟

- لا، ليست هناك آلية لإصدار أى قرار ملزم فى هذا الشأن، وإنما يخضع الأمر لمفاوضات قد تستغرق فترات طويلة، وبدأ قبل سنوات تحرك الدول المتقدمة نحو خفض الانبعاثات باستخدام الطفرة التكنولوجية فى إنتاج وتوليد الطاقة الجديدة والمتجددة، ويتبقى- حاليًا- تكثيف العمل على مشروعات التكيف والبحث عن حلول تكنولوجية تفيد البشرية، مثل تحلية مياه البحر، والبحث عن طرق بديلة للزراعة والرى لتحقيق الأمن الغذائى.

■ ما حجم الإنفاق العالمى على مشروعات الحد من الانبعاثات؟

- لا يزال هناك عدم توازن بين الإنفاق العالمى على مشروعات تخفيف الانبعاثات ومشروعات التكيف المناخى، إذ استحوذت الأولى على ما يقرب من ٩٠٪ من حجم الإنفاق العالمى مقابل ١٠٪ لمشروعات التكيف، وأعتقد أن تلك الأزمة ستكون أحد المطالب المطروحة فى قمة المناخ التى تستضيفها مصر نهاية العام الجارى، بحيث يكون هناك توازن بين الإنفاق على التخفيف والتكيف بنسبة ٥٠٪: ٥٠٪، وبعض الدول النامية تطالب- أيضًا- بتعويضات عما تعرضت له من خسائر نتيجة التغيرات المناخية، لكن كلها أمور تتطلب مفاوضات طويلة.

■ كيف ترى مستقبل الاعتماد على الطاقة المتجددة فى ظل الميزة النسبية لأسعارها؟

- التحول إلى الطاقة المتجددة أصبح توجهًا عالميًا، إذ يقدر حجم الاستثمارات فى مشروعاتها بنحو ٣٠٠ مليار دولار سنويًا، إلى جانب التحول إلى تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر، الذى يتوقع أن يصبح تكنولوجيا مجدية اقتصاديًا فى غضون من ٥ إلى ١٠ سنوات مقبلة، وغيرها من مشروعات التخفيف من أثر التغيرات المناخية.

لا نزال ننتظر الاهتمام بمشروعات التكيف، مثل معالجة مياه الصرف الصحى وتحلية مياه البحر والتى- إذا وصلت تكلفتها إلى المعدلات الاقتصادية لاستخدام المياه فى الزراعة- ستُحدث ثورة فى توفير الغذاء على مستوى العالم، خاصة أن جزءًا من التغيرات المناخية قد يسبب حدوث فجوة غذائية على مستوى العالم، وتعجز الدول عن توفير الأموال لشراء غذاء.

■ ما فرص نجاح قمة المناخ المقبلة؟ وكيف نخرج منها بتوصيات قابلة للتنفيذ؟

- قمة المناخ التى تستضيفها مصر نهاية العام الجارى تعد حلقة ضمن سلسلة متصلة من الاجتماعات التى انعقدت خلال السنوات العشر الماضية، وبالتأكيد لا أتوقع أن يحل مؤتمر واحد كل المشكلات، لكنه يأتى فى مرحلة مختلفة من التطور نظرًا لأن الحديث بدأ بالفعل عن الوصول للحياد الكربونى بحلول عام ٢٠٥٠، مقارنة بتعهدات العالم إبان اتفاق باريس عام ٢٠١٥ بخفض الانبعاثات الكربونية من ١٥٪ إلى٢٠٪، وهو ما لم يكن يتحقق لولا حدوث هذا التطور التكنولوجى الكبير.

■ ما توقعاتك لشكل المفاوضات خلال قمة المناخ المقبلة؟

- التفاوض أمر يخص الدول الأعضاء والأطراف، والأمم المتحدة لن تكون طرفًا فى عملية التفاوض، لأنها تحضر بصفتها مراقبًا لسير المفاوضات.

أتوقع ألا تكون هناك موضوعات جديدة تُطرح على طاولة المفاوضات فى كوب ٢٧، فموضوعات التفاوض ذاتها مستمرة منذ سنوات، لكن لكل قمة سماتها الخاصة، فمصر ستدافع عن قضية زيادة الإنفاق على مشروعات التكيف المناخى من إجمالى حصة التمويل العالمى.

■ هل نحن أمام ارتداد عالمى عن اتفاق باريس بشأن عملية تمويل التكيف؟

- لسنا أمام ارتداد عن اتفاق باريس، لكن هناك بعض التعثر فى تنفيذ ما انتهى إليه الاتفاق بشأن تعهدات الدول الكبرى بتخصيص تمويلات كبيرة للتغيرات المناخية ومطالبات للدول النامية بوجود محاصصة بين الإنفاق على التكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية، لكن الاتجاه العالمى يسير فى اتجاه تنفيذ كل التوصيات فى أسرع وقت.

■ هل ستؤثر حالة الانقسام الدولى التى أحدثتها الحرب الروسية الأوكرانية على المفاوضات؟

- لا.. فحالة الانقسام وتهديدات بعض الدول الأوروبية بإعادة فتح محطات الفحم أمور مؤقتة، لكن النمط السائد أو التوجه العام فى العالم كله هو التحرك نحو الطاقات المتجددة، فالقطار انطلق ولا مجال للتخلف أو الارتداد عنه.

إلى أى مدى أثرت جائحة كورونا والحرب فى أوكرانيا على أهداف التنمية المستدامة؟

كل هذه الأزمات تؤثر بشكل مباشر على أهداف التنمية المستدامة التى تستهدف القضاء على الجوع.. بعض التأثيرات إيجابية وبعضها سلبية، لكن التطور سيحدث لا محالة، والتحول إلى التنمية المستدامة مسألة وقت مهما تأخر التحول أو تعثر.

التغيرات المناخية واحد من أكبر التهديدات لمكاسب التنمية فى مجالاتها المختلفة التى تحققت خلال الـ٢٠ عامًا الماضية، ولا بديل عن التكيف حتى لا يحدث ارتداد وزيادة نسبة الفقر وحدوث فجوة غذائية على مستوى العالم فى ظل تزايد عدد سكان العالم وتناقص الموارد.