رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وصف المشي بأنه علاج للأرق الليلي

جولات «تشارلز ديكنز» الليلية فى شوارع لندن تلهمه قصص وشخصيات أعماله

تشارلز ديكنز
تشارلز ديكنز

تحل اليوم ذكرى رحيل الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز، والذي توفي في مثل هذا اليوم من العام 1870، صاحب روائع الأدب الإنساني العالمي: أوقات عصيبة، قصة مدينتين، ترنيمة عيد الميلاد، أوليفر تويست، مذكرات بيكويك، الآمال العظيمة وغيرها.

ويعد تشارلز ديكنز من أعظم المؤلفين الروائيين علي الإطلاق، ولا تزال أعماله الروائية تلقى رواجًا كبيرًا وتُحقق أعلى المبيعات في تاريخ الأدب عمومًا، فقد كان له أسلوب ساخر ولاذع يتميز بروح الدعابة أحيانًا، رغم ما تقدمه رواياته من معاناة أبطاله، وتعتبر أعماله من كلاسكيات الأدب الإنساني العالمي حتى اليوم.

بمجرد أن تنظر إلى العالم بعيني تشارلز ديكنز من خلال الأعمال الروائية والقصصية التي قدمها، فلن يبدو كما كان من قبل مرة أخرى. كان تشارلز ديكنز من أشهر كتاب العصر الفيكتوري، وكان من عاداته أن يجول في أزقة لندن المظلمة يلتقط ما يشاهده ويسمعه ويجعل من حواري المدينة وسكانها مادة لرواياته وقصصه.

 اتخذ تشارلز ديكنز من عامة الشعب الإنجليزي، من فقراء ومهمشين أبطالًا لرواياته، ومن حواري لندن عالمًا خصبًا لقلمه، مخلفًا ثروة أدبية استحقت مكانها البارز في الأدب العالمي.

كان من عادات تشارلز ديكنز أيضًا في جمع مادة أدبه، هي خوض الأحاديث مع الناس وتبادل أطراف الكلام معهم، من الذين صادفهم في الشوارع وصادفهم في الحارات، فاستمع إلى قصصهم عن الحياة في لندن، مما يفسر براعته منقطعة النظير في حوارات أعماله الروائية، لأنه يصور العبارات واللهجات التي كانت سائدة في شوارع لندن وأزقتها آنذاك.

 كان تشارلز ديكنز يعرف بغرابة أطواره ودقة ملاحظته، وفي ليالي لندن شديدة البرودة، وتحت جنح ظلامها، كان  تشارلز ديكنز يغادر منزله بعد منتصف الليل، ليهيم على وجهه في شوارع وأزقة لندن، بين المتسولين والمتشردين، قاطعًا 15 أو 20 ميلًا في الليلة الواحدة دون وجهة محددة.

 كان تشارلز ديكنز يجوب شوارع لندن في الليل تضامنًا مع الفقراء والمهمشين المشردين بلا مأوى تحت جنح الليل والبرد القارس. ويوجد مشهد مؤثر في مقاله الذي يحمل عنوان «تجوال الليل»، والذي تم نشره في عام 1860، وفي هذا المقال يصف ديكنز كيف يمشي بين شوارع المدينة باتجاه ساحة «ترافلجار» أو الطرف الأغر حتى يصل إلى كنيسة سانت مارتنو والتقي برجل مشرد، في هذه اللحظة ماذا يفعل الفقر في النفس البشرية؟، ويكتشف محدودية قدرته على التعاطف والتماهي مع المستضعفين والفقراء.

كانت أجراس كنيسة سانت مارتن تقرع، وكانت ملابس الرجل المشرد الذي صادفه ديكنز الجالس في زاوية رثة مهترئة، اقترب منه ديكنز ليمنحه بعض المال لكن الرجل نفر منه وشعر ديكنز بالنفور أيضًا لدرجة يصف فيها الرجل بأنه: «مخلوق يشبه الكلاب».

شعر تشارلز ديكنز بالعار أنه كان أحيانًا يخاف من الناس المشردين القاطنين في الشوارع، إنه مزيج غريب من الخوف والتعاطف تجاه الناس المستضعفين الفقراء المشردين المنسية في شوارع لندن، التي همشها المجتمع، وهمشها ديكنز نفسه ويجدها غريبة أحيانًا.

اعتاد  تشارلز ديكنز على المشي لأكثر من 20 ميلًا في اليوم، وقد زعم أنه بإمكانه المشي أربعة أميال في الساعة وهذه أقصي سرعة مشي للإنسان. وهناك قصة من عام 1857، حيث شعر ديكنز بالأرق أثناء الليل، فخرج للمشي في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ويقال إنه مشى من منزله في وسط مدنية لندن حتى بيته الريفي الواقع في ضاحية «كنت»، ووصل إلى هناك في موعد الإفطار. وهذه المسافة تقدر بـ30 ميلًا مشيًا على الأقدام، وقد وصف ديكنز المشي ليلًا بـ«العلاج الفعال للأرق الليلي».