رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين العلماء والأدعياء

من المقرر أن يقام اليوم تجمع للمتخصصين فى مجال مواجهة التطرف خلال المؤتمر الدولى الأول لمواجهة التطرف، بدعوة من الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، حيث يشارك فيه ممثلون عن 42 دولة بالإضافة إلى مندوبين من الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمفوضية الأوروبية والعديد من رجال الفكر ورؤساء مراكز البحوث المعنية بتلك القضية، وذلك تحت عنوان "التطرف الدينى- المنطلقات الفكرية واستراتيجية المواجهة".
يأتى هذا فى أعقاب الزيارة الناجحة التى قام بها الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، إلى بريطانيا والتى التقى خلالها مجموعة من أعضاء مجلس العموم واللوردات وممثلى الأديان والمجتمع المدنى، بهدف تقديم الصورة الصحيحة للإسلام ودحض دعاوى جماعات الإرهاب والتطرف عبر منهج علمى سار ويسير عليه الأزهر الشريف ودار الإفتاء فى مصر منذ القدم، والغريب أن تلك الزيارة استغرق الإعداد لها سرًا قرابة تسعة أشهر منذ يونيو 2021 تحسبًا من محاولات عناصر جماعة الإخوان الإرهابية القيام بإفشالها.
كما حاولوا التشويش عليها والتقليل من أهميتها بل وتنظيم مظاهرة ووقفة احتجاجية أثناء قيامه بإلقاء محاضرة فى جامعة إكسفورد ثم أمام البرلمان ومجلس العموم البريطانى والقيام بطرح أسئلة تم إعدادها مسبقًا لطرحها على فضيلته تتحدث عن قتل الإسلام لليهود وعن آية السيف والردة وعنف داعش والحق فى تغيير الديانة، والغريب هنا أيضًا أن من كان يقوم بطرح تلك الأسئلة عناصر من جماعة الإخوان وليسوا من أعضاء مجلس العموم البريطانى أو اليهود المقيمين هناك والذين قاموا بتوزيع تلك الأسئلة عليهم.
وعلى الرغم من جميع تلك المحاولات بل ولغة التهديد التى تعرض لها فضيلة المفتى إلا أن الزيارة قد حققت الهدف منها بنسبة كبيرة، وهو ما أثار خوف وفزع كوادر وقيادات الإخوان الذين يتخذون إنجلترا ملاذًا لإقامتهم، وعلى رأسهم مرشدهم إبراهيم منير، الذى أصدر بيانًا يقلل فيه من أهمية الزيارة، ويؤكد على أنها ذات أبعاد سياسية وليست دينية لتحريض لندن على عدم قبول الإخوان الذين سوف يتم إبعادهم من تركيا بناء على طلب السلطات المصرية.
وبعيدًا عن كل ذلك فقد كان السؤال الأهم الذى طرحه فضيلة المفتى على جميع من اجتمع معهم هناك هو الأساس الذى انطلق منه الحوار معهم لتوضيح الرؤية الصحيحة للإسلام، وهو "من الذى له الحق فى الحديث باسم الإسلام".
هل هو حق الإخوان الذين تاجروا بالإسلام ونشروا الخراب والدمار والفتنة والقتل؟ أم من حق الملحدين والعلمانيين الذين أثاروا سخط المسلمين عندما استباحوا ثوابت الدين ورموزه؟ أم من حق إنصاف المتعلمين وأدعياء العلم الذين لم يدرسوا الإسلام فى أى من معاهد التعليم الدينى الموثوق بها، وإنما هم نتاج بيئات مفعمة بالمشاكل واعتمدوا على تفسيرات مشوهة ومنحرفة بهدف إشاعة الفوضى لتحقيق أهداف سياسية؟
جاءت لقاءات فضيلة المفتى وكلماته المفعمة بالثقة والهدوء المعروف عنه وتبحره فى علوم الدين وقراءته لخريطة وأصل جذور الفكر المتطرف لتطرق عقول الغرب وتفتح لهم بابًا للمناقشة وإعمال الفكر والتدبر، خاصة عند مناقشة أسباب انضمام الشباب إلى التنظيمات الإرهابية، حيث طالب بضرورة إخضاع المدارس الإسلامية فى إنجلترا والتى يبلغ عددها نحو 1400 مدرسة غير مرخصة.
ثم ناقش ظاهرة الإسلاموفوبيا عندما أشار إلى أن التطبيق النبوى للقرآن الكريم فى مكة المكرمة كان يتميز بالرحمة ولم يتعرض بالقتل لأحد لمجرد مخالفته عقيدة الإسلام، وعن مصطلح الجهاد أوضح أن العلماء أقروا أن قرار إعلان الحرب هو بيد الدولة ومؤسساتها فقط، ولا توجد آية اسمها السيف، التى عطل بها المتطرفون آيات الرحمة والتسامح فى القرآن، وأن الرسالات السماوية جاءت لصالح الإسلام والارتقاء بالمجتمعات التى نعيش فيها، وأكد أن الأزهر الشريف ودار الإفتاء فى مصر على استعداد كامل لاستقبال أئمة بريطانيا وباقى دول الغرب، لتدريبهم على مهارات الإفتاء وفهم صحيح الدين ليكونوا سفراء للإسلام الصحيح عند العودة لبلادهم.
كما طالب بضرورة تبنى مشروع عالمي لإعادة بناء عالم يسوده الوئام والتعاون، من خلال تضافر جهود جميع الأطراف الدينية وغيرها من أجل التعبير عن ثقتها فى الإسلام والمسلمين، وهذا لن يتأتى إلا بالعمل معًا بإيمان وثقة للوقوف فى وجه التطرف، وأيضًا بتكاتف الإعلام المعتدل فى دول الغرب لنقل صورة إيجابية لصحيح الإسلام.
كان من الطبيعى أن يستعرض فضيلة المفتى التجربة المصرية والجهود الجبارة التى شاركت فيها جميع أجهزة الدولة لمواجهة الفكر المتطرف وتفكيكه، خاصة عندما تم إنشاء مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة عام 2014، والتى ساهمت إلى حد كبير فى دحض تلك الأفكار وتفنيدها والرد عليها بالحجة والبرهان والمنهجية العلمية المنضبطة.
هكذا يكون حديث العلماء خاصة من يمتلكون الحكمة والثقة والثقافة، فالإسلام الصحيح عندما يتم عرضه بمثل تلك الأسانيد واللقاءات سوف يكون قادرًا على إسكات تلك الأقلية المتطرفة.
ومن هنا فإننى أناشد علماءنا الأجلاء بتكرار مثل هذه الزيارات شريطة الإعداد الجيد لها سواء فى إنجلترا أو أى دولة من دول العالم، وعلى الأزهر الشريف بما له من مكانة وقدسية عالمية أن يتحرك وبقوة ليقوم بدوره فى حماية المسلمين من الفكر المتطرف والدفاع عن اتهام الإسلام بالتطرف والتشدد والإرهاب.. وتحيا مصر.