رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تكامل ثلاثى عربى

الأزمات المتزامنة، والمتلاحقة، التى يعيشها العالم، توجب تعميق الشراكات بين الدول العربية وتعزيز تكاملها، لتحقيق الاكتفاء الذاتى، خاصة فى القطاعات الحيوية، حتى نتمكن من مواجهة التحديات المشتركة، والصمود أمام الأزمات الحالية والمقبلة. وعليه، نرى أن «مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة»، بين مصر والإمارات والأردن، خطوة مهمة، لن تستفيد منها شعوب الدول الثلاث فحسب، بل كل شعوب دول المنطقة، لو نجحت وتوسعت، أو لو شجعت على إطلاق مبادرات تكامل أخرى.

المبادرة، التى تترجم قوة وتميّز العلاقات بين قادة وحكومات الدول الثلاث، جرى إطلاق شرارتها خلال لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، والملك عبدالله الثانى، ملك الأردن، والشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، فى ٢٦ أبريل الماضى، بالقاهرة. وبعد اجتماعات استمرت يومين، وجلسة مباحثات مع الرئيس الإماراتى، تم توقيع وثيقة التعاون الثلاثى فى العاصمة الإماراتية أبوظبى، صباح أمس الأحد، بحضور الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور بشر الخصاونة، رئيس وزراء الأردن، والدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بدولة الإمارات، وعدد من كبار مسئولى الدول الثلاث.

خلال سنة ٢٠٢١، بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر والإمارات نحو ٣ مليارات و٦٠٠ مليون دولار، فى حين يقل حجم التبادل التجارى بين مصر والأردن عن المليار دولار. والرقمان، كما ترى، هزيلان جدًا، قياسًا بمجموع الناتج المحلى الإجمالى للدول الثلاث، الذى يتجاوز ٨٠٠ مليار دولار. غير أن الوضع قد يختلف، وغالبًا سيختلف، فى ظل التنسيق المستمر بين القادة والحكومات، لتسيير نفاذ السلع المتبادلة، وفى ضوء مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية، التى تهدف إلى تحفيز النمو والتنوع وتحقيق طفرة فى سلاسل التشغيل.

حقائق عديدة، قديمة وجديدة، أوجبت التفكير فى صيغ مبتكرة للتكامل العربى، تتجاوز المشكلات والعقبات، التى أفسدت كل الصيغ أو المحاولات السابقة. ونرى أن هذه الصيغة، المبادرة أو الخطوة، كما قال رئيس وزراء مصر، تعد نموذجًا ملهمًا لكيفية الاستغلال الأمثل للظروف الاقتصادية، والجيوسياسية، غير المواتية، وتحويلها من محنة، إلى منحة، وفرصـة نسعى لاقتناصها، ونتطلع من خلالها إلى تحقيق غاية لطالما عـز علينا إدراكها على مدار عقود طويلة: تعزيز التكامل والترابط والاعتماد المتبادل بين الدول العربية. 

هذه الغاية كانت حاضرة بقوة، منذ منتصف أربعينيات القرن الماضى فى أذهان الآباء المؤسسين لجامعة الدول العربية، ونص عليها ميثاق الجامعة. لكن ما يؤسف هو أن منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى، التى تعد إحدى أهم مراحل تعزيز التكامل والترابط، والتى دخلت حيز التنفيذ، منذ أول يناير ٢٠٠٥، لا يزال تأثيرها غير ملموس، لأسباب عديدة، لم يتمكن المجلس الاقتصادى والاجتماعى للجامعة من تجاوزها.

بعيدًا عن اللبن المسكوب أو الفرص المهدرة، توافق زعماء الدول الثلاث، فى قمة أبريل الماضى، على ضرورة العمل المشترك والتنسيق الفاعل لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، وتخفيف تداعيات الأزمات على أوطاننا وشعوبنا. وظهرت ترجمة هذا التوافق، أمس، بإطلاق مبادرة التعاون الثلاثى، ثم بإنشاء صندوق استثمارى، تديره الشركة القابضة ADQ، باستثمارات ١٠ مليارات دولار، لتنفيذ مشروعاتها، التى أسهمت مباحثات وفود خبراء الدول الثلاث، خلال الأسبوع الماضى، فى تحديدها وتحديد أولويات تنفيذها: الأدوية، الزراعة، الأغذية، التكنولوجيا، تكنولوجيا المعلومات، الكيماويات، المعادن، المنسوجات، و... و... وغيرها.

الدول الثلاث، كما لعلك تعرف، آمنة ومستقرة، ولديها الإمكانيات التمويلية والعمالة الماهرة والمواد الأولية والموقع الجغرافى الاستراتيجى، وتحظى بمصداقية وموثوقية عالية فى المجتمع الدولى. ولدينا مثلًا، لدى مصر، فرص متميزة لمجتمعى الأعمال الإماراتى والأردنى للاستثمار، عززها أو ضاعفها حرص حكومة مصطفى مدبولى على تيسير وتسريع وتيرة كل المشروعات الصناعية والتنموية، وإعلانها، منذ أسابيع قليلة، عن حزمة حوافز من شأنها أن تزيد جاذبية الاقتصاد المصرى للاستثمارات الأجنبية المباشرة. 

.. وأخيرًا، يجمعنا مصير واحد ولغة واحدة وأهداف ومصالح مشتركة، تكاد تكون متطابقة، وتقول الرسائل المتبادلة، الصريحة والضمنية، بين الشعوب، قبل القادة والحكومات: نحن مستعدون. ولا يبقى غير أن ننتظر نجاح المبادرة المصرية الإماراتية الأردنية، وأن تصبح نواة لتعاون أوسع يشمل كل دول المنطقة العربية.