رؤية جديدة لأدب الخيال العلمي.. «كيم ستانلي روبنسون» يقود ثورة «العودة إلى الأرض»
يُعد الروائي الأمريكي كيم ستانلي روبنسون واحدًا من أبرز الأسماء في أدب الخيال العلمي في الوقت الراهن. نشر كثير من الروايات التي نالت إعجابًا وتقديرًا جماهيريًا ونقديًا. في تقرير حديث، سلّطت صحيفة “نيويورك تايمز” الضوء على التوجه الجديد الذي بات روبنسون يتبناه في كتاباته الخيالية، وهو استقاء موضوعات الخيال العلمي مما يحدث فعليًا في الواقع.
في جامعة كاليفورنيا، اكتشف روبنسون ولعه بالخيال العلمي بعد أن تخصص في الأدب وحصل على الدكتوراة. حينذاك، حثّه الناقد الأدبي فريدريك جيمسون، الذي كان أستاذاً هناك، على قراءة أعمال فيليب ديك الذي استحوذ عليه تمامًا.
نماذج من الخيال العلمي
نشر روبنسون في الثمانينيات أول سلسلة خيال علمي له وهى ثلاثية مبتكرة تتبعت ثلاثة مستقبلات مختلفة لمقاطعة أورانج بكاليفورنيا، حيث نشأ.
اتبع كل كتاب صيغة خيال علمي كلاسيكية مستقبلية؛ واحدة ديستوبية بعد نهاية العالم في أعقاب هجوم نووي، وأخرى طوباوية حيث تطورت المنطقة إلى جنة بيئية.
رُشحت الثلاثية لجوائز الخيال العلمي الكبرى، وأشاد النقاد في صحيفة نيويورك تايمز بروبنسون لأنه "اخترع فعليًا نوعًا جديدًا من الخيال العلمي".
منذ ذلك الحين، جرّب روبنسون بشكل متحرّر نماذج الخيال العلمي، وكتب كل شيء من تاريخ بديل للصين إلى ملحمة عن استكشاف الفضاء السحيق إلى رواية تاريخية تأملية تدور أحداثها في العصر الجليدي، لكنه اشتهر بقصصه اليوتوبية التي تستخدم الخيال العلمي كإطار لاستكشاف أنظمة اجتماعية واقتصادية وسياسية بديلة.
في الخريف الماضي، طُلب من كاتب الخيال العلمي كيم ستانلي روبنسون، في أثناء حديثه بمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في جلاسكو، أن يتنبأ بما سيبدو عليه العالم في عام 2050، وبينما يبدو الأمل في إنقاذ الكوكب ضعيفَا، أثار روبنسون إمكانية وجود مستقبل قريب يتسم بـالإنجاز البشري والتضامن.
في مقابلة معه قال روبنسون: إنه وقت صعب أن تكون كاتبًا لأي نوع من اليوتوبيا، إذ تكثر القصص المليئة بالكوارث في الأفلام والتلفزيون والخيال، وتقترب عناوين الأخبار من نهاية العالم. لقد رحل أسياد الخيال الطوباوي العمالقة. في الوقت نفسه، القصص اليوتوبية قليلة لكنها لا تُنسى، ويمكنها أن تُشكّل فكرة عما هو محتمل أن يكون جيدًا في المستقبل.
رؤية لمشكلات واقعية
في السبعين من عمره، قد يكون روبنسون، الذي اشتهر على نطاق واسع بأنه أحد أكثر كتاب الخيال التأملي تأثيرًا في جيله، آخر الطوباويين العظماء. قال إن عمله يمكن أن يكون فرديا لكن في الآونة الأخيرة، كان لكتاباته تأثير في العالم الحقيقي، إذ نظر علماء الأحياء وعلماء المناخ ورجال الأعمال في مجال التكنولوجيا والرؤساء التنفيذيون للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الخضراء إلى خياله باعتباره خارطة طريق محتملة لتجنب أسوأ نتائج تغير المناخ.
في قمة المناخ التي عقدتها الأمم المتحدة في الخريف الماضي، التقى روبنسون الدبلوماسيين وعلماء البيئة وقادة الأعمال، وطرح القضية لتنفيذ بعض الأفكار الطموحة في خياله؛ الهندسة الجيولوجية لمنع الأنهار الجليدية من الذوبان، واستبدال الطائرات بالمناطيد التي تعمل بالطاقة الشمسية، وإعادة ترتيب الاقتصاد بالتخفيف الكمي للكربون.
إن قدرة روبنسون على حشد تفاصيل علمية وتقنية كثيفة، ونظرية اقتصادية وسياسية ومقترحات سياسية جعلته مفكرًا عامًا بارزًا خارج مجال الخيال العلمي. قال الروائي ريتشارد باورز: "لا يوجد الكثير من الكتاب الذين حاولوا اتباع نهج أدبي في الأسئلة التقنية، ونهج تقني للأسئلة الأدبية".
من بعض النواحي، اتبع مسار روبنسون ككاتب خيال علمي مسارًا غريبًا. لقد صنع اسمه بما كتب عن مستقبل البشرية البعيد، من خلال أعمال ذات رؤية حول استعمار المريخ "ثلاثية المريخ"، والرحلات بين النجوم، والرحلات بين الأجيال في الفضاء السحيق، وتوسع البشرية في المناطق البعيدة من النظام الشمسي. لكن في الآونة الأخيرة، كان يقترب من الأرض ومن أزمة الاحتباس الحراري الكارثية الحالية.
قال روبنسون إنه يبدو منفصلًا الآن عن القصص المستقبلية حول استكشاف الفضاء. لقد أصبح متشككًا في أن مستقبل البشرية يكمن في النجوم، ورفض طموحات أصحاب المليارات في مجال التكنولوجيا لاستكشاف الفضاء، حتى وإن كان يعترف بكونه مسئولًا بصورة جزئية عن هذا الخيال.
التنبؤ بالمستقبل
في أحدث رواياته، عمل مثل "نيويورك 2140" هي رواية عن تغير المناخ الذي يحدث بعد أن غُمرت مدينة نيويورك جزئيًا بسبب ارتفاع المد، و"القمر الأحمر"، التي تدور أحداثها في مدينة قمرية عام 2047 يسافر عبر الزمن، نحو الحاضر.
وقبل عامين، نشر روبنسون رواية "وزارة المستقبل" التي تفتتح في عام 2025 وتتكشف خلال العقود القليلة المقبلة، إذ يبتعد العالم عن الفيضانات وموجات الحر والكوارث البيئية المتصاعدة، وتؤسس وزارة دولية لإنقاذ الكوكب.
قال روبنسون: "رأيت أن الوقت قد حان للتحدث مباشرة في موضوع تغير المناخ، القصة الحقيقية هي التي ستواجهنا في الثلاثين سنة المُقبلة، وهي القصة الأكثر إثارة للاهتمام، ولكن المخاطر هي الأكبر أيضًا".
عاد روبنسون مؤخرًا من شمال الهند، حيث تحدث في مؤتمر المناخ الذي استضافه الدالاي لاما. وفي وقت لاحق من هذا الشهر، من المقرر أن يسافر إلى دافوس بسويسرا، حيث سيلقي محاضرة حول كيفية مكافحة تغير المناخ في مؤتمر يستضيفه المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا.
ونظرًا لكونه مطلوبًا، فقد صار المفكر العام روبنسون يكافح لإيجاد الوقت لبدء رواية جديدة، لكنه قال إن الاستجابة الحماسية لأدب الخيال المُناخي طمأنته، وبدأ في رسم أفكار لعمل جديد مبني على القصة التي رواها في "وزارة المستقبل".
عندما يُطلب من روبنسون أن يتنبأ بالمستقبل، كما هو الحال غالبًا، فإنه عادة ما يتحفظ. لقد جادل بأننا "نعيش في رواية خيال علمي كبيرة نكتبها جميعًا معًا"، لكنه ليس متأكدًا مما إذا كانت ستكون رواية يوتوبية أم ديستوبية.
قال: "لا أحد بوسعه قول تنبؤات صائبة بشأن المستقبل، ربما باستثناء ما يمكن أن يكون صدفة".