هل نحن بخير؟
إما أننا بخير فعلًا وإما أننا لسنا كذلك، بصرف النظر عن الأدلة والشواهد.. ومن الجميل ألا نجهل الموضع الذي نقيم فيه وأن نحرص عليه لو ينفعنا ونقوم بتغييره لو يضرنا!
نحتاج إلى أن نسأل أنفسنا، مرارًا وتكرارًا، إن كنا بخير أم لا، وخصوصًا في المناسبات السعيدة كالأعياد؛ لأنها قد توهم مجتمعها بخير ما، إلا أنه عابر ولا يعول عليه.. نحن مضطربون إلى درجة عدم التحديد، تحديد أحوالنا نفسها، فلا ندري إن كنا بخير فعليًا أو دون ذلك، ولا ندري، حين يباغتنا أحدهم بالسؤال، ماذا نقول له، لأننا لا نرى وجوهنا الفعلية بمرايا اليقين؛ فمرة نشعر باستقرار ومرة بعدم استقرار، ومرة نكون متفائلين وأخرى متشائمين، وبين هذه التناقضات لا نستطيع الإمساك بدواخلنا، ولا لمس حقيقتها..
يقودنا السؤال إذن إلى أهمية فكرة الحسم؛ فليس من المعقول أن نغفل عما يخصنا في الصميم إلى هذه الدرجة، وليس من المعقول أن يظل السائل معلقًا بانتظار إجابة صغيرة مدى الدهر، علينا الحسم، والحسم قد يحمل البشرى فنطمئن بها وقد يحمل الصدمة فنحرص على تلافي أسبابها مستقبليا.
يجب أن يكون الإنسان بخير، بالرغم من كل ما يحيط به من الصعوبات وكل ما يكتنف حياته من الهموم والضغوط.. يكون بخير لأنه لن يواصل سيره الطبيعي بدونه؛ وإلا كيف يدير شئون نفسه؟ وكيف يساعد أهله وأصدقاءه وجيرانه ووطنه؟
لو لم يكن الإنسان بخير، ولو بالأمل وحده، لكان في الجانب الآخر، الجانب المظلم الشرير، ولسقطت مناعته النفسية والجسدية، وصار نهبًا للإحباطات والأمراض، وفتر عزمه وخابت مساعيه، وأفقد الناس والوطن عونه، كمن حذف نفسه من سجلات الشرف في محيطه!
يستهين الواحد منا بالسؤال البسيط الواضح: هل أنت بخير؟ وفي العادة يجيب عنه بإجابة تمويهية لا خبرية؛ يقول: الحمد لله!
والحمد لله في الأول والآخر طبعًا، غير أن الحمد هنا ليس بإجابة شافية على الإطلاق؛ لأن الحمد يكون في السراء والضراء، والسائل يريد تعيين موقع المسئول مما يسأل عنه، والمسئول يجب أن يتبنى الحسم الذي ذكرته آنفًا لأن ذلك يكون مفتاح تحققه الشخصي من حاله قبل أن يكون جوابًا للسائل؛ فالواجب أن يكون الجواب قطعيًا لا ظنيًا: نعم أنا بخير! للأسف أنا لست بخير!
بحصول الإجابة الصريحة الصادقة ينبغي التفاعل الفوري معها؛ فإن كانت إيجابية يمكن اختبار صاحبها، ببساطة، والاستفادة من طاقته الخيرة لو صحت نجاته، وإن كانت سلبية يمكن اختبار صاحبها بالمثل، ومحاولة إنعاشه لو صح غرقه.
"صباح الخير" تحفز إلى الخير؛ فليس علينا أن نستبدل بتحيتنا الصباحية كلامًا آخر مهما يكن، وكذلك تحيتنا المسائية المماثلة الرقيقة.. والغاية، علينا أن نعرف مكاننا من الخير، وأن نبذل ما في وسعنا لنكون بخير!