رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شهادة المتعوس لخايب الرجا!

العاصمة الإيطالية روما، كانت أول أو ثاني عاصمة أوروبية يزورها محمد مرسي العياط، بعد نجاحه وجماعته في السطو على مقعد الرئيس، واختطاف رئاسة مصر. وعليه، لم يكن غريبًا أن ينسب محمد بديع، مرشد الجماعة الساقطة، إشادة غير منطقية بمندوبه في قصر الرئاسة، إلى رئيس وزراء إيطاليا، كتلك التي انتهت بها الحلقة الرابعة والعشرين من مسلسل «الاختيار ٣». أما الغريب والعجيب، وما قد الدهشة والسخرية، فهو أن صاحب الشهادة كان أسوأ رؤساء وزراء إيطاليا وأكثرهم فشلًا.

في مقطع الفيديو، زعم محمد بديع أن السفير الإيطالي قال له: «أنا كنت متصور إن الدكتور محمد مرسي أستاذ في الهندسة، فلقيت رئيس الوزارة بتاعنا، وهو رجل اقتصاد، دردش مع الدكتور محمد في الاقتصاد». وبعد تلك الدردشة، بحسب زعم المرشد، قال السفير: «أنا باهنيكم إن عندكم واحد زي الدكتور مرسي.. لأن رئيس الوزارة اللي بيحب الاقتصاد، ومتخصص فيه، أعجب جدا بأفكاره الاقتصادية».

السفير الإيطالي، الذي نسب إليه المرشد تلك الشهادة عديمة القيمة، هو كلاوديو باتشيفيكو، الذي زار المرشد في ٢١ يناير ٢٠١٢، وليس ماريو مساري، الذي خلفه في المنصب، والذي زار المرشد، هو الآخر، في ١٧ مارس ٢٠١٣، أما رئيس الوزراء فهو «المتعوس» ماريو مونتي، Mario Monti، الذي كان وزير الاقتصاد والمالية في حكومة سيلفيو بيرلسكوني، التي استقالت بسبب الأزمة المالية الإيطالية، التي لا تزال مستمرة، واحتفظ بالمنصب نفسه حين كلّفه الرئيس جورجو نابوليتانو في نوفمبر ٢٠١١ برئاسة الحكومة.

جاء «مونتي» إلى القاهرة في أبريل ٢٠١٢، وخلال زيارته التي استغرقت يومين التقى المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى لقواتنا المسلحة، والدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء، والأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وعددًا من القيادات الحزبية والسياسية، كان من بينهم محمد مرسي، بصفته رئيسًا لـ«حزب الحرية والعدالة». وعليه، ربما أراد السفير الإيطالي أن يجامل المرشد، بنقل تلك الشهادة، التي لم يستوقفنا عدم منطقيتها وعدم منطقية الإعجاب، في المطلق، بأفكار «سين» أو «صاد» خلال جلسة، أو قعدة، مهما طالت، بل استوقفنا أن يكون صاحبها «اللي بيحب الاقتصاد والمتخصص فيه»، والذي أعجبته جدًا أفكار مرسي الاقتصادية، فشل فشلًا ذريعًا في إدارة اقتصاد بلاده وحكومتها!.

وعد بإصلاحات كبيرة عبر توحيد الفئات الأكثر عقلانية من كل حزب سياسي. وقالت سيرته الذاتية إنه درس الإدارة والاقتصاد في جامعة بوكوني في ميلانو، ثم أكمل تعليمه في جامعة ييل في الولايات المتحدة. وعاد إلى إيطاليا سنة ١٩٧٠ ليعمل مدرسًا للاقتصاد في جامعة تورينو، ثم أصبح أستاذًا للاقتصاد السياسي في جامعة بوكوني، فمديرًا لمعهد الاقتصاد السياسي، وسنة ١٩٩٤ تولى رئاسة الجامعة. و... و... وبالتالي، رحّب الإيطاليون وتفاءلوا باختياره لمواجهة الظروف المالية والاقتصادية صعبة، التي تمر بها بلادهم.

أيضًا، كانت حكومة مونتي «غير المنتخبة» تحظى بتأييد يسار الوسط ويمين الوسط والوسط، لكنها سرعان ما فقدت هذا التأييد، والدعم الشعبي، والأغلبية البرلمانية، واضطر «بونتي» إلى الاستقالة، في ٢١ ديسمبر ٢٠١٢، بعد فشله في خفض الدين العام الذي بلغ ١٢٦٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدل البطالة إلى أعلى مستوى منذ بدء تسجيل المعدلات الشهرية ودخول نقابات العمال في صراعات مع الشركات بشأن عمليات الإغلاق وتسريح العمال. وعاد العنف السياسي بسبب المصاعب الاقتصادية والمعارضة المتزايدة لإجراءات التقشف التي تطبقها الحكومة، و.... و.... ووقعت عدة حوادث انتحار لرجال أعمال استبد بهم اليأس بعد انهيار حياتهم ومشروعاتهم. 

باختصار، كان الإيطاليون، طوال فترة حكم مونتي، التي استمرت سنة و١٦٣ يومًا فقط، بعد إضافة مدة تسيير الأعمال، وربما الأوربيون جميعًا، أمام نموذج واضح على الفجوات الواسعة بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي، ومثال فاضح للأقوال العظيمة، التي تخاصم العظمة تمامًا حين تتحول إلى أفعال. أما نحن، المصريين، فكنا، خلال الفترة نفسها ولعدة شهور تالية، أمام أقول مرتبكة وأفعال أكثر ارتباكًا، لا يمكن تجمليها بشهادة، أو إشادة، من متعوس أو صاحب سعادة!.