رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المترجم السوفيتى العجوز يكشف أسرار الزعماء

فى هذا الكتاب يكشف فاسيلى كولوتوشا، المترجم السوفيتى المخضرم، عن أسرار قادة العالم التى عايشها بصفته مترجمًا شارك فى اللقاءات السرية بين زعماء العالم، بعد أن أصبح مسموحًا بنشر الحقيقة.. إنه يصف زعيم الاتحاد السوفيتى السابق «بريجنيف» فيقول إنه لم يكن يدرى بما حوله إلى درجة أنه كان يقرأ من ورقة أمامه كُتبت عليها الكلمات بحروف ضخمة، فإذا لم يطوِ أحد الورقة يظل يقرأ نفس الورقة مرة واثنتين حتى يضطر المترجم إلى القول إن ذلك التكرار لأهمية ما جاء بالورقة من قضايا.

عنوان الكتاب «حكايا المترجم العجوز.. مرفوع عنها السرية»، صدر عن دار «أبعاد»، وترجمه عن الروسية الدكتور ماهر سلامة، الأستاذ القدير الذى نقل من الروسية إلى العربية قبل ذلك أكثر من خمسة عشر كتابًا، منها «الدفتر الأفغانى» بقلم جنرال المخابرات السوفيتية ليونيد بجدانوف، وفيه يتحدث عن الأخطاء السوفيتية فى أفغانستان.. المترجم العجوز قضى نحو خمسة أعوام فى مصر فى الستينيات والتسعينيات، وزار وعمل فى لبنان والعراق والأردن والمغرب، حيث كان سفيرًا.

والكتاب فى معظمه، كما يقول المؤلف فى المقدمة: «شهادة عن سياسة الاتحاد السوفيتى فى الشرق الأوسط»، وينوه كولوتوشا بأنه تعلم اللغة العربية على يدى أستاذين، أما الثالث فكان جمال عبدالناصر! هذا بعد أن بدأ «كولوتوشا» عمله فى القنصلية بالإسكندرية عام ١٩٦٥ واكتشف أنه لا يتقن سوى الفصحى، فراح يسجل خطابات عبدالناصر ويستمع إليها ليلًا ويكرر وراءه كل كلمة وكل جملة مقلدًا القائد عبدالناصر، وخلال ذلك يحاول التهوين على نفسه بقول إن اللغة العربية صعبة فقط فى العشرين سنة الأولى، ويحكى لنا عن زيارة خروتشوف لمصر فى مايو ١٩٦٤، حين قرر عبدالناصر منح خروتشوف قلادة النيل، ولم يكن برنامج الزيارة ينص على ذلك، مما أوقع الروس فى حرج وجعل خروتشوف يقول لمن معه: «لا بد أن نرد على ذلك الوسام بالمثل، فما العمل؟»، فاقترح أحدهم منح ناصر وسام بطل الاتحاد السوفيتى، فقال خروتشوف: وعبدالحكيم عامر؟ علينا أن نقوم بتكريمه أيضًا وإلا فإنه قد «يزعل»!

وبعث خروتشوف إلى موسكو ليرسلوا إليه وسامين وصلا فى اليوم التالى.. يحكى عن النقاش الحاد حول القومية العربية حين قال عبدالناصر لخروتشوف: ومن غير المستبعد أن بعض الشيوعيين يرتكبون الجرائم أيضًا.. وتقبل خروتشوف الكلمات بغضب شديد.. ويدلى كولوتوشا بشهادته عن المظاهرات التى خرجت بعد النكسة تطالب عبدالناصر بالاستمرار فى الحكم، فيقول: «رأيى الشخصى وقناعتى أن تكون مظاهرات الجماهير العفوية أمرًا مدبرًا من قبل السلطات التى كانت فى حالة عجز وشلل تام».

وفى ١٩٦٧ نُقل كولوتوشا للعمل فى السفارة بالقاهرة، وكان يترجم بين ناصر والوفود السوفيتية، ويذكر أنه فى منتصف سبتمبر ١٩٦٧ التقى عبدالناصر، ويقول: «كان ناصر مختلفًا تمامًا، وجهه شاحب وقاتم، وحول عينيه دوائر سوداء، وصوته كان مبحوحًا وخافتًا».

ويلاحظ أن ناصر على كثرة ما التقاه فى ولائم رسمية لم يكن يشرب إلا الماء فقط بينما يتجرع الجميع فودكا وويسكى، ويلفت النظر ما سرده من أن ناصر عام ١٩٦٨ فاتح السوفيت فى أنه تلقى رسالة شفهية من موشى دايان بشأن الصلح، حملتها إليه الشاعرة فدوى طوغان.

قضى كولوتوشا فى مصر خمسة أعوام من أهم لحظات التاريخ المصرى، لكنه لا يكتفى بأسرار تلك المرحلة، بل يتطرق إلى أسرار وأحداث أخرى مهمة وقادة عرب آخرين مما لا يتسع له مقال واحد، فى كل الأحوال إنه كتاب ممتع أهداه إلينا مترجم كبير بعد مرور نصف قرن على ذكريات دبلوماسى عجوز أصبح مسموحًا له بالكلام صراحة.