رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب يوميات الاختيار (2): مكتب الإرشاد يدير مندوب الجماعة الإرهابية فى قصر الرئاسة بالريموت كنترول

محمد الباز
محمد الباز

مرسى كان ينفذ تعليمات الجماعة دون مناقشة لأنه «أسير السمع والطاعة»

تسريبات «الاختيار» تكشف موقف الجماعة الإرهابية من السلفيين 

فى نهايات ديسمبر ٢٠١٢ كنت أشارك فى ندوة عُقدت بأحد الفنادق الكبرى، وجدت الصحفى الإخوانى الشهير محمد عبدالقدوس يجلس إلى جوارى، وقبل بداية الندوة بدأ فى الحديث محتجًا ومعترضًا على ما يواجهه الرئيس الإخوانى محمد مرسى من تحديات وعقبات يضعها الآخرون فى طريقه حتى لا ينجح. 

أعرف، كما يعرف كثيرون من داخل الوسط الصحفى ومن خارجه، أن محمد عبدالقدوس رجل بسيط وما فى قلبه على لسانه، بل أحيانًا يقول ما لا يجب أن يقال، ويكشف عما يجب أن يظل مخفيًا. 

سألت عبدالقدوس: وما الذى يمنعه من مواجهة من يخططون لإفشاله، هذا إذا كان هناك من يهتم بذلك؟ 

ودون ترتيب وجدته ينطلق فى الكلام، قال: فيه ناس كتير أوى نفسها الرئيس يفشل، وتخيلوا يا جماعة إن الدكتور محمد مرسى بيخاف يتواصل مع مكتب الإرشاد تليفونيًا، وعشان كده فيه مندوب بينقل التعليمات يوميًا من مكتب الإرشاد فى المقطم إلى قصر الاتحادية. 

أحد الموجودين تعجب من كلام عبدالقدوس، قال له: مندوب إيه يا أستاذ محمد؟ 

فواصل عبدالقدوس بفرط بساطته: آه والله العظيم مندوب.. بياخد التعليمات من مكتب الإرشاد وبيركب موتوسيكل يسلمها فى قصر الاتحادية، لأن الرئيس عارف إن فيه ناس بتتجسس عليه وعلى الجماعة. 

وقتها نشرت قصة المندوب والموتوسيكل، ولم يكذبها أحد، ورغم عدم منطقيتها، بل ورغم عبثيتها، فإننى لم أصدقها، فمحمد مرسى الذى وجد تليفون «ثريا» تحدث من خلاله مع قناة الجزيرة بعد هروبه من سجن وادى النطرون، لم يكن ليعجزه شىء عن إيجاد وسيلة يتواصل بها مع مكتب الإرشاد غير الموتوسيكل. 

لست مهتمًا الآن بالتحقيق فى صدق أو كذب حكاية محمد عبدالقدوس، فقد قال ما قاله، سخر منه مَنْ سخر وصدّقه مَنْ صدّقه، ولكن المهم بالنسبة لى- وقد يكون مهمًا بالنسبة لكم أيضًا- هو ما كشفه «الاختيار ٣» عن شكل العلاقة التى كانت تربط محمد مرسى بمكتب الإرشاد وقيادات الجماعة، وكيف كانوا ينظرون إليه؟ 

فى الفيديو الذى انفرد المسلسل بعرضه ويوثق لجلسة جمعت بين محمد بديع، مرشد الجماعة، وخيرت الشاطر نائبه، ومحمد مرسى بعد الانتخابات البرلمانية يتضح لنا الحجم الذى كان يمثله مرسى فى الحقيقة، فالجلسة كانت تجمع بين رئيس حزب سياسى هو «الحرية والعدالة»، أو هكذا يجب أن يكون، ومرشد جماعة ونائبه، لكن رئيس الحزب اختار أن يكون قزمًا ويتراجع تمامًا أمام من يعتبرهم فوقه فى الجماعة. 

ما صرّح به بديع عن السلفيين فى هذه الجلسة خطير جدًا. 

قال: إنهم تيار ضعيف ولا يمكن الاعتماد عليه، حيث إنه فى الظاهر تجدهم مترابطين ولكن فى حقيقة الأمر هم جماعات مختلفة من الداخل، السلفيون أساءوا فهم الدين الإسلامى وأساءوا إلى أنفسهم. 

واصل بديع إساءاته البالغة فى حق السلفيين، مستشهدًا بما حدث مع محمد مرسى فى الانتخابات. 

قال: فى الانتخابات كنت أتفق مع مجموعة من قيادات التيار، وفى نهاية يوم الانتخابات أجد مجموعة أخرى غير التى أتفق معها يختلفون مع قياداتهم، ولذلك لا يمكن عقد اتفاق على أرض صلبة مع التيار السلفى، إحنا أكتر ناس نعرف السلفيين وعاشرناهم، وداخل السجون كنا سوا. 

أعتقد أنه لم تكن هناك أى مفاجأة، لا لقيادات الجماعة السلفية ولا لأعضائها، فيما قاله عنهم محمد بديع، فهم يعرفون جيدًا موقف الإخوان منهم، ولا يمكن أن ننسى ما قاله ياسر برهامى بعد ثورة ٣٠ يونيو، بأن الإخوان ما كانوا ليترددوا عن إلقاء السلفيين من نوافذ المساجد، إلا أنهم كانوا يحتاجون إليهم فأبقوا عليهم قليلًا. 

ما قاله خيرت الشاطر فى نفس الجلسة أيضًا خطير جدًا.

برعونة من لا يخشى شيئًا، اعترف خيرت الشاطر بأنه كان مخبرًا على السلفيين لصالح الأمن. 

قال: آه أنا مش بتاع مخابرات، بس بزرع ناس وسطهم، وبتابع كل تفاصيلهم وبحاول أعالجها، ولما بلاقى أى معلومة بكلم أمن الدولة، لأنى عارف خطورة الموضوع، ما أنا عشت ١٩٩٢ وتصعيد العنف فى مصر. 

يمكن للسلفيين أن يردوا على الجماعة، فلديهم الكثير الذى يمكن أن يقولوه عن الإخوان. 

ولو جربت وحاولت أن تقرأ بعضًا من مذكرات القيادى السلفى ياسر برهامى، التى نشر عدة حلقات منها على موقعه «أنا السلفى» ثم حذفها بعد ذلك، ستتأكد أن فضح الجماعة سياسيًا وفقهيًا يمكن أن يتم بسهولة على يد السلفيين، هذا إذا أرادوا. 

لا أعرف على وجه التحديد لماذا حذف برهامى حلقات مذكراته من على موقع «أنا السلفى»، ما أعرفه أنه تعرض لهجوم عنيف من لجان الإخوان الإلكترونية، وقد يكون راجعه البعض من قيادات السلفيين الذين لا يزالون يحتفظون بخطوط مفتوحة مع الإخوان، لكننى أعتقد أن ما سمعه المصريون جميعًا من رأى وموقف الإخوان من السلفيين يجعلنى أطالب ياسر برهامى، ليس بإعادة الحلقات المحذوفة من مذكراته عن الإخوان، ولكن استكمال هذه المذكرات، التى أعرف أنها ستمثل حرجًا هائلًا للجماعة التى باعت الجميع، وعلى رأسهم السلفيون. 

رغم أهمية ذلك كله فإننى توقفت عند ما هو أهم بالنسبة لى على الأقل. 

راجعوا دور محمد مرسى فى الفيديو الذى أذيع فى «الاختيار ٣»، حاولوا أن تقفوا ولو قليلًا أمام جلسته، فنحن أمام رجل منكمش فى مقعده، بينما نرى بديع وخيرت منطلقين تمامًا، وهو رجل لا يشارك فى الحديث بشىء، ولكن يكتفى بكلمة واحدة يعلق بها على ما يسمعه، وهى كلمة «تمام». 

هذه هى كلمة السر إذن التى يمكننا من خلالها أن نقرأ تجربة محمد مرسى فى رئاسته، فلم يكن رئيسًا أبدًا، بل كان مجرد مندوب لجماعته فى قصر الاتحادية، ينفذ تعليماتها دون مناقشة، فلم تكن لديه حاجة للمناقشة، فهو أسير السمع والطاعة، وهو بين يدى مرشده كالميت بين يدى مُغسّله، ومن كان فى وضعه هذا فلا يملك أن يناقش أو يعترض أو يقول لا. 

بنعومة شديدة مرر «الاختيار ٣» ما يؤكد ذلك. 

فى الحلقة الأولى، وبعد مذبحة رفح الأولى، نجد محمد مرسى يجلس فى قصر الاتحادية، يأتيه مساعده بقرارات ليوقّع عليها، ويكشف الحوار عن المأساة الكاملة التى كانت تدور فى قصر الحكم، فقد سأل مرسى: إحنا أقلنا مين؟ 

يسأل السؤال قبل أن يوقّع على القرار، بما يشير إلى أنه لا يعرف ما فيه، بل إنه لم يكلف نفسه عناء قراءة القرار الذى جاءه مكتوبًا فى مكتب الإرشاد، إذ ما الذى يجعله يفعل ذلك، وهو فى النهاية سيوقع على القرارات التى جاءته شاء ذلك أم أبى؟ 

وفى الحلقة الثانية، نجد مرشد الجماعة محمد بديع يطلب من سعد الكتاتنى أن يتصل له بالدكتور مرسى، قال ذلك بأريحية من سيتحدث إلى مرءوسه ليكلفه بما يريد. 

الأكثر دلالة، كان فيما كشفه المسلسل عن وضعية مرسى فى الجماعة. 

هنا يمكننا أن نتوقف عند الحوار الذى دار بين خيرت الشاطر والفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، قبل أن نصل إلى حديث جديد عن مرسى. 

يمكن أن يعتقد البعض أن الحوار الذى دار بين الشاطر ووزير الدفاع من خيال مؤلف «الاختيار ٣»، وهو شىء يمكن أن نقبله ممن يشككون فى المسلسل فقط لأنهم يحملون فى قلوبهم مرضًا وفى عقولهم غرضًا، لكن ما أعرفه جيدًا أن هذا الحوار دار نصًا بينهما، وكان بداية الخلافات الكبيرة بين الجماعة والقائد العام للقوات المسلحة. 

ذهب الشاطر الذى لم تكن له صفة رسمية فى الدولة إلى وزير الدفاع بمباركة من محمد مرسى الذى لم يكن يملك أن يرفض شيئًا قررته الجماعة، وعرض عليه أن يكون هناك تعاون بين الجماعة والقوات المسلحة، بين الإخوان والدولة، مؤكدًا أن المصلحة تقتضى ذلك الآن. 

فى هذا الحوار يبدو التهافت الكبير لهذه الجماعة التى لم تكن تعرف من الأساس معنى ولا قيمة الدولة، كانت الأمور فى عقلها مشوهة ومشوشة، اعتقدت أنها تمتلك إمكانات تؤهلها إلى أن تقف فى وجه الدولة. 

كان رد وزير الدفاع على ما طرحه خيرت الشاطر عن التعاون بين الجماعة والقوات المسلحة مكثفًا وبليغًا، سأل عن موعد الغداء، لأنه يبدو أن خيرت الشاطر جائع، فى إشارة واضحة إلى أن الكلام الذى قاله لا يمكن أن يخرج إلا من جائع، قاده الجوع إلى الهلوسة أو عدم التركيز على الأقل. 

كيف بدا محمد مرسى على هامش هذا الحوار؟ 

عندما كان يجلس الرئيس الإخوانى بجوار وزير الدفاع فى عرض الفرقة السادسة مدرعة بالجيش الثانى الميدانى فى إطار الاحتفالات بنصر أكتوبر ٢٠١٢، سأل مرسى عن اللقاء بين وزير الدفاع والمهندس خيرت الشاطر، فرد وزير الدفاع بما يمكننا التعامل معه على أنه توصيف دقيق لعقيدة الجيش المصرى المطلقة. 

قال وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى لمرسى: ده جيش مصر يا فندم، وجيش الشعب، وجيشك طول ما حضرتك مع الشعب كله، وطول ما الشعب معاك عمر الجيش ما هيبقى ضدك. 

كانت الرسالة واضحة، لكن محمد مرسى لم يستمع إليها ولم يفهمها ولم يصدقها، اختار أن يكون مندوبًا لمكتب الإرشاد فى قصر الرئاسة بدلًا من أن يكون رئيسًا، اختار أن يتلقى التعليمات من الجماعة ويكون ملكًا لها وحدها بدلًا من أن يكون رئيسًا للشعب كله، ولهذا كان طبيعيًا أن تكون نهايته بيد الشعب كله. 

على الهامش: 

بعد ما رأيته من حقائق عرضها «الاختيار ٣» عن طريقة إدارة مكتب الإرشاد لمحمد مرسى، حيث كانت تحركه بالريموت كنترول، أصبحت على يقين من أن ما قاله محمد عبدالقدوس ذات يوم عن المندوب والموتوسيكل، وسخرنا منه، كان حقيقة كاملة.