رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وثيقة سياسة ملكية الدولة

استكمالًا للإصلاحات التى تتبناها دولة ٣٠ يونيو، وفى إطار إعداد استراتيجية قومية لتنظيم وجود مؤسسات الدولة فى الأنشطة الاقتصادية، وتمكين القطاع الخاص وتعزيز دوره، استعرض مجلس الوزراء، خلال اجتماعه، أمس، الملامح الرئيسية لـ«وثيقة سياسة ملكية الدولة»، المقرر أن يتم إطلاقها قريبًا فى صورتها النهائية: ملكية، بكسر الميم وتسكين اللام، لأن المعنى سيختلف، كليًا، لو فتحت الميم واللام!.

أكثر من ٥٠ دولة سبقتنا إلى تحديد سياسة ملكيتها، سواء بإعلان وثيقة، أو من خلال القوانين والأطر التنظيمية. وبعيدًا عن ارتيابك من أهداف، نيات أو مصالح بعض دعاة التحول الاقتصادى، فإن هناك جدلًا موضوعيًا وبنّاءً، منذ سنوات طويلة، بشأن قدرة الدولة، أى دولة، على الاستمرار فى ملكية وإدارة المنشآت، التى يتعدى نطاق إنتاجها السلع والخدمات الأساسية. وفى هذا الجدل، ينطلق مناهضو ملكية الدولة وإدارتها الأصول الإنتاجية من اعتقاد شائع بأن ملكية الدولة للمنشآت وإدارتها محفوفة بالمخاطر والمشكلات، وتقود إلى ضعف كفاءة تلك المنشآت ومحدودية فرص نموها وتطورها مقارنة بتلك المملوكة والمدارة من القطاع الخاص.

لم يأت هذا الاعتقاد من فراغ، إذ كثيرًا ما عانت المنشآت العامة، فى العديد من الدول، ضعفًا واضحًا فى مستويات كفاءتها ومحدودية ربحيتها، وخسائرها الفادحة أحيانًا، بفعل تعرضها للفساد والتدخلات السياسية، أو لافتقارها رؤية مستقبلية واضحة، ما دفع بعض تلك الدول إلى محاولة الانسحاب منها، وفق أنماط مختلفة تدرجت بين تفويض المسئولية فى جانب من الإدارة إلى القطاع الخاص، وبيع أصول هذه المنشآت بالكامل. 

فى المقابل، كانت هناك تجارب ناجحة لشركات حكومية فى دول مختلفة، حققت أداءً متميزًا وهوامش ربحية وعوائد، تجاوزت تلك التى حققتها الشركات والمؤسسات الخاصة. ويمكنك أن تعود، مثلًا، إلى تجربة «الشركات المرتبطة بالدولة»، Government Linked Companies، فى سنغافورة، التى تعمل تحت ولاية شركة قابضة، اسمها «تيماسيك»، Temasek، مملوكة بالكامل لوزارة المالية التى أسهمت، منذ ستينيات القرن الماضى، فى النهوض بالقطاعات الإنتاجية والخدمية المختلفة ودفع عجلة النظام الاقتصادى.

المهم، هو أن الوثيقة، التى استعرض مجلس الوزراء، أمس، ملامحها الرئيسية، تم إعدادها وفقًا للمعايير والمبادئ التوجيهية الصادرة عن «منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية»، بمشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين، وعدد من الوزارات والجهات المعنية، ومركز معلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء. وسبق إعدادها دراسة الوضع الحالى وإعداد مقترح أوّلى للتخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية، بالتنسيق مع الوزارات المعنية. ومن المقرر أن يتبع إطلاقها، إطلاق الوثيقة، تقييم الأصول المملوكة للدولة على مستوى القطاعات، التى سيتم التخارج منها وتحديد آلية هذا التخارج.

صورة متكاملة لوجود الدولة بالقطاعات والأنشطة الاقتصادية، خلال السنوات الثلاث المقبلة، تتسم بشمولية الأهداف. وبناء على عدد من المعايير والمحددات الرئيسية، تم تحديد القطاعات التى سيتم التخارج منها على مراحل وبشكل تدريجى، وتلك التى ستتواجد فيها الدولة بشكل مستمر، وفقًا لما تتسم به من أبعاد استراتيجية أو اجتماعية. وجرى خلال الاجتماع استعراض آليات التخارج المقترحة التى يمكن تطبيقها، والتى من المتوقع أن تسهم فى تعزيز ثقة المؤسسات الدولية وطمأنة المستثمرين المصريين، العرب والأجانب.

تتضمن الوثيقة المبادئ الحاكمة لوجود الدولة فى الأنشطة الاقتصادية، والحياد التنافسى، والبيئة التشريعية المواتية لهذه الأنشطة، والأهداف والمنهجية المتبعة، لتمكين القطاع الخاص وتعزيز مشاركته فى الأنشطة الاقتصادية، وأيضًا لتكوين شراكات بينه وبين القطاع العام، فى إطار برنامج زيادة كفاءة الأصول المملوكة للدولة، وتعزيز فرص الاستفادة من التحول الرقمى، وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة. والأهم، هو أنها وثيقة مرنة، قابلة للتحديث، وفقًا لأى تغيرات فى أولويات الدولة، أو استجابة للمستجدات الدولية والمحلية.

.. ولا يبقى غير رد التهنئة، بخير منها، لمجلس الوزراء، الذى قدم لنا، نحن «الشعب المصرى العظيم»، خلال اجتماع، أمس، «أخلص التهانى القلبية»، بمناسبة قرب حلول شهر رمضان، آملين أن تلتزم الوزارات الخدمية وكل المحافظات بتعليمات رئيس الوزراء، وتقوم بتكثيف الحملات الرقابية، للتأكد من توافر جميع أنواع السلع والمنتجات الغذائية بالأسواق، والتصدى بكل حزم لكل صور الممارسات السلبية.