رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب بين تجارة السلاح والمبادئ

 

للحروب جوانب عديدة، لعل أحدها تجارة السلاح التى تزدهر فى تلك الظروف. وحسب تقرير من معهد ستوكهولم الدولى فقد قررت ألمانيا- على خلفية الحرب فى أوكرانيا- زيادة إنفاقها على الدفاع هذا العام ٢٠٢٢ إلى مستوى قياسى، بحيث تخصص فى مشروع الموازنة الألمانى أكثر من ٥٥ مليار دولار لذلك الغرض. وعلى الخلفية الأوكرانية أيضًا انتعشت أحوال القطاع الصناعى العسكرى الأمريكى بعد أن تقرر تزويد جيوش الدول الأوروبية بطائرات حربية حديثة باهظة الثمن، غير الصواريخ والمدفعية والمعدات الثقيلة. 

روسيا أيضًا، حسب تقرير لمنظمة العدل والتنمية الدولية، ستعمل على توسيع أسواق تجارة السلاح فى آسيا والشرق الأوسط، وستحاول بيع الغواصات النووية والبوارج الحربية لدول مجلس التعاون بما تزيد قيمته على عشرة مليارات دولار. وتتصدر أمريكا قائمة الدول التى تتاجر فى السلاح، تليها روسيا فى المركز الثانى، وقد بلغت مبيعات الدولتين ما بين ٢٠٠٣ و٢٠٠٧ أكثر من نصف المبيعات العالمية من السلاح «٥٦٪». 

وثمة كتاب مهم يلقى الضوء على أهم جوانب القضية هو «تجارة السلاح» لمؤلفه «نيكولاس جيلباى»، وهو صحفى بريطانى قاد حملات واسعة ضد العسكرة والسلاح داخل بلاده. ويشير الكاتب إلى أن تجارة السلاح ليست السبب فى النزاعات القائمة، لكنها تطيل أمد تلك النزاعات وتتربح من تصعيد الحروب القومية، مثلما يحدث فى الهند وباكستان، أو الصين وتايوان، وتصل أرباح تلك التجارة إلى أرقام خيالية حتى أمست بعض شركات السلاح أكبر من بعض الدول! وفى عام ٢٠٠٧ فقط باعت الدول الخمس الكبرى: أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا أسلحة بعشرين بليون دولار! بليون!! الأهم من ذلك أن تلك الدول- على حد قول الكاتب- خاصة أمريكا وبريطانيا تقومان بتوريد السلاح لطرفى النزاع فى نفس الوقت! وقد انتهى تقرير من ثلاثة باحثين أمريكيين، منهم وليام هارتونج، إلى أن: «الأسلحة الأمريكية تغذى نصف الصراعات المسلحة فى العالم، وتمكن للصراعات المحتملة بين تركيا والأكراد، والهند وباكستان، وتغذى طرفى الصراع بالسلاح والتدريب فى ذات الوقت».

ولعل هذه الحقيقة أن تعرى التسليح من أى موقف سياسى أو مبدئى، كما أنها تظهر السلاح بصفته تجارة تتغذى من الحروب، مما يوضح لنا أسباب المواقف السياسية التى نستغربها من بعض الدول حين نراها ترقص بالدعم بين طرفى نقيض. الأسباب واضحة: أرباح تجارة السلاح. وعلاوة على ما سبق فإن الحروب توفر فرصة لتجريب فاعلية الأسلحة، مثلما حدث حين جربت أمريكا أولى قنابلها الذرية فى لحم هيروشيما، ولم تكن هناك حاجة عسكرية فعلية إلى استخدام القنبلة. ويشير «نيكولاس جيلباى» أيضًا إلى أن مفهوم تجارة السلاح أصبح فضفاضًا ومراوغًا، لأن هذه التجارة صارت تتضمن ليس فقط السلاح بحد ذاته، بل مجالات أخرى كالتجارة فى المعلومات والتكنولوجيا والتصميمات والمهارات الهندسية والعلمية وقطع الغيار، والصيانة وغير ذلك من الهراوات والغازات لتفريق المتظاهرين ودروع الشرطة والعربات المدرعة ومدافع المياه.

الوجه الآخر لعسكرة كوكبنا هو المخاطر التى تحدق به، وفى مقدمتها التغيرات المناخية التى لا تلقى اهتمامًا من القطاعات الصناعية العسكرية فى الدول الكبرى، حتى بعد أن تأكد أن مستوى حرارة كوكب الأرض زاد أكثر من درجتين مئويتين عما كان عليه فى العصور قبل الصناعية، وسيضاعف ذلك من عدد من يعانون من ندرة المياه ليرتفع الرقم من ٠٫٤ بليون انسان إلى ١٫٧ بليون إنسان، كما أن احترار الكوكب الأرضى سيدفع إلى مزيد من الهجرات ومزيد من الصراعات حول مصادر الثروات الطبيعية. من المؤسف أن تظل الإنسانية فى مرحلة ناضجة من تاريخها بهذه الحماقة بحيث لا ترى أنها تحفر قبرها بيديها، ولربما كان أحدهم محقًا حين قال إن الخراب سيحل على أجنحة العلم الحديث.