رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بايدن على الحدود.. تقريبًا!

 

ضمن جولته الأوروبية الاستثنائية، حطت طائرة الرئيس الأمريكى جو بايدن، أمس الأول الجمعة، فى مدينة جيشوف البولندية، التى تبعد ٨٠ كيلومترًا عن الحدود مع أوكرانيا، وتفقد فرقة فى الجيش الأمريكى، كانت قد غادرت أفغانستان الصيف الماضى، وكرر وصفه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأنه «مجرم حرب»، وذكّر جنوده بأحداث «تيانانمين» فى الصين سنة ١٩٨٩، وقال لهم: «أنتم وسط معركة بين الأنظمة الديمقراطية والاستبدادية»، ثم تناول قطعة بيتزا والتقط معهم صور «سيلفى» وشكرهم وصافحهم.

لن تتدخل تلك الفرقة، أو غيرها، فى النزاع الروسى الأوكرانى، أو من المفترض أنها لن تتدخل. ومع ذلك، قال بايدن لجنوده، جنود الفرقة ٨٢ المحمولة جوًّا: «عندما تكونون هناك، وبعضكم كان هناك، سترون نساءً وشبانًا يقفون فى منتصف الطريق، أمام الدبابة الملعونة، ويقولون لن نغادر». ومع أن المعنى المباشر لعبارة «عندما تكونون هناك» هو أن تلك القوات سيتم إرسالها إلى أوكرانيا، فإن متحدثًا باسم البيت الأبيض نفى ذلك تمامًا، لشبكة «فوكس نيوز»، مؤكدًا أن بلاده لم تغير موقفها، ولن ترسل أى قوات إلى مناطق النزاع، ليُضاف ما قاله بايدن إلى قائمة «زلات اللسان» الطويلة، التى يرجعها البعض إلى فقدانه القدرة على التركيز، والتى يمكنك أن تضيف إليها أيضًا حديثه، غير المبرر، عن مظاهرات شهدتها الصين منذ ٣٣ سنة.

لا يوجد تبرير، أو تفسير منطقى، أيضًا، لزيادة عدد القوات الأمريكية فى أوروبا من ٨٠ ألف جندى إلى ١٠٠ ألف، بحلول ١٧ مارس الجارى. وكذا، لقيام «الناتو»، بتعزيز قواته على الجبهة الشرقية، وقيامه بنشر ٤ وحدات قتالية، إلا لو ربطت ذلك، مثلًا، بتجديد الأوساط السياسية والعسكرية البولندية مطالبتها بضم مقاطعة «كالينينجراد» الروسية، التى كانت عاصمة «بروسيا الشرقية» الألمانية، قبل أن تضمها روسيا إلى أراضيها، فى يوليو ١٩٤٦، عقب هزيمة ألمانيا النازية على يد الجيش الأحمر.

زيارة بايدن إلى بولندا، جاءت بعد يوم حافل، قضاه فى العاصمة البلجيكية بروكسل، تشارك خلاله فى ثلاث قمم عقدها «الناتو» والاتحاد الأوروبى ومجموعة السبع، جرى خلالها تحذير الصين من دعم روسيا عسكريًا واقتصاديًا. وكنا قد رجحنا ألا يكون الهدف من تلك القمم هو التوصل إلى حل سياسى، أو اتفاق للتهدئة أو وقف التصعيد، أو حتى إحداث أى تغيير فى إيقاع الأزمة الأوكرانية ومساراتها، بل إطالة أمد الأزمة، لإنهاك روسيا واستنزافها عسكريًا واقتصاديًا، مع استمرار خلط الأوراق على الساحتين الأوروبية والدولية، لإثبات أن الولايات المتحدة ما زالت هى القوة العظمى الوحيدة الفاعلة.

فى مدينة زوسوف، عقد الرئيس الأمريكى اجتماعًا مع نظيره البولندى أندرى دودا، الذى كان من المفترض أن يستقبله فى المطار، وحالت مشاكل واجهت طائرته دون ذلك. وخلال مؤتمر صحفى مشترك، أعرب بايدن عن خيبة أمله، لأنه لم يتمكن من الاطلاع على الأزمة الإنسانية فى أوكرانيا بشكل مباشر. بينما شكره الرئيس البولندى على قدومه إلى المكان الذى يشهد تدفقًا للاجئين الأوكرانيين، كما وجه الشكر، أيضًا، للقوات الأمريكية، على مساعدتها هؤلاء اللاجئين، مشيرًا إلى أن بلاده استقبلت ٢.٥ مليون منهم.

بهذه الزيارة، وبالجولة الأوروبية عمومًا، يسعى الرئيس الأمريكى، حسب البيت الأبيض، إلى تأكيد التزام بلاده بالدفاع عن دول حلف شمال الأطلسى، والمعنى نفسه كرره بايدن، أمس، لأسباب غير مفهومة، وهو يجلس إلى طاولة، فى فندق ماريوت، وسط وارسو، بجانب وزيرى دفاعه وخارجيته، مقابل وزيرى الخارجية والدفاع الأوكرانيين، اللذين لا علاقة لبلدهما بالحلف. وربما لم تكن مصادفة، أن تنشر وزارة الدفاع الروسية، بالتزامن مع تلك الجلسة، مقطع فيديو لاستسلام عسكريين أوكرانيين، فى إحدى ضواحى كييف، قالوا إنهم قرروا إلقاء السلاح، بسبب النقص الحاد فى العتاد والذخيرة وحتى الطعام!

.. وتبقى الإشارة إلى وزير الداخلية البولندى، المسئول عن أجهزة المخابرات، كتب فى حسابه على تويتر، الأربعاء الماضى، أن بلاده قررت طرد ٤٥ جاسوسًا روسيًا، كانوا يدَّعون أنهم دبلوماسيون. وبالفعل، أمهلت الخارجية البولندية ٤٤ دبلوماسيًا روسيًا خمسة أيام لمغادرة البلاد، ومنحت رقم ٤٥ مهلة ٤٨ ساعة فقط!