رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ يعقوب حين يغير جلده.. رحلة إلى العالم السفلى لشيخ السلفية (ملف)

محمد حسين يعقوب
محمد حسين يعقوب

جاءت شهادة الداعية محمد حسين يعقوب في المحكمة، والتي تناقلها أغلب وسائل الإعلام، تلقي بصداها على المشهد، فقد جاءت صادمة لكثير من الأتباع كاشفة عن كثير من الحقائق أمام أجيال طالما كانت مفتونة بمثل تلك الأفكار وبأصحابها.

ظلت صورة هؤلاء المشايخ طوال عقود طويلة- في منظور اتباعهم- منارات الهدى وأئمة الدين الصحيح، وحراس العقيدة، والحصن الحصين للذود والدفاع عن الإسلام والمسلمين، ظلوا هم أصحاب الفكر السليم والمنهج القويم، والذين لا يخافون في الله لومة لائم، ثم بمجرد مرور الأيام واختلاف الأوضاع يكتشف الأتباع أن هؤلاء ما كانوا سوى تجار دين وسماسرة لبضاعة فاسدة، هدفها السيطرة على عقول الناس وتحقيق الشهرة وجلب الأموال.

يبدأ حسين يعقوب الشهادة أمام القاضي بالقسم ثم لا يلبس إلا أن يمارس الكذب والمراوغة والتلاعب بالألفاظ والكلمات، وهذا ديدنهم، فما كانت شهرتهم إلا بتسويق الكلام وبراعة اللغة وطريقة الإلقاء ودغدغة المشاعر.

نص ساعة من الشهادة كانت كفيلة بكشف خداع أكثر من ثلاثين عاما لمنهج وأفكار هؤلاء.
كانت هناك عدة إشارات ضرورية على هامش شهادته أهمها:

هل حقًا محمد يعقوب ليس عالًما وليس سلفيًا؟
ادعي الشيخ ذلك أمام القاضي، حتى يتنصل من سيل الأفكار والفتاوى التي أصدرها، والمنشورة في أغلب المواقع، والتي كان أغلبها محرضًا على الكراهية مرسخًا للتشدد.

وتناسي الشيخ أنه صاحب كتاب "منطلقات طلب العلم"، الذي خصص فصلا كاملا فيه تحت عنوان "كن سلفيًا على الجادة"!
وتعامي الشيخ عن أنه عضو في مجلس شورى العلماء بمصر، والذي أسسه مع تسعة من المشايخ الآخرين في عام 2011، والذي كان أهم أهدافه- كما سطروا هم بأنفسهم- "النظر في أوضاع الأمة الإسلامية ودراسة وبحث المستجدات والنوازل المعاصرة وإبداء الرأي فيها".

فهل يستقيم كونه داعية أن يبدي رأيه في نوازل الأمة ؟!
والغريب أن هذا المجلس تحول لبوق سياسي يصدر بياناته التحريضية متهمًا الشرطة والجيش صراحة بقتل المعتصمين ومطالبته برجوع الرئيس المعزول محمد مرسي.

هل حقًا محمد حسين يعقوب ليس له علاقة بالسياسة؟
تلك كانت الكذبة الثانية التي ادعاها الشيخ ظنًا منه بضعف ذاكرة الناس وكيف ننسى أنه صاحب أشهر تعليق في استفتاء 19 مارس: "وقالت الصناديق للدين نعم"!
وكيف ذلك ودعمه للأحزاب الإسلامية وفيديوهاته لمناصرة حزب النور في انتخابات 2011 متاحة للجميع بالصوت والصورة؟

وكيف ذلك ودعمه ومجلس شورى العلماء لتأييد المرشح الرئاسي السابق محمد مرسي في الانتخابات؟
وكيف ذلك ودعوته للناس للتصويت بنعم لدستور 2012؟

لا أدري إن لم تكن هذه هي عين السياسة فماذا تكون؟!

هل حسين يعقوب لا يدعو للعنف وأنه فقط متخصص في علم القلوب؟
ليس مطلوبًا من دعاة العنف أن يحملوا السلاح على المجتمع كي يواجهوا به خصومهم، لكن يكفيهم فقط بعض كلمات ربما هي أقوى من ألف رصاصة.
حامل السلاح قد يقتل فردًا أو أكثر، لكن بعض الكلمات والأفكار قد تقتل أجيالا وأجيالا.
سيد قطب لم يحمل السلاح، لكنه فعل أكثر ممن حملوه.. استطاع بث مفاهيم وأفكار كانت كفيلة بتخريج عشرات ومئات المتطرفين، هذا هو الحال بالنسبة ليعقوب وأمثاله، والذي تتمحور كل دعوته حول أنهم متميزون عن الناس وأنهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية.. كل أفكاره تنحصر حول أن الحكومات تحارب الدين والمتدينين وأنهم- يعقوب وأمثاله- هم الغرباء في هذا الزمان، فليت شعري ماذا تنتظر من آلاف المستمعي؟ وكيف يضبط هؤلاء المتهمون أنفسهم؟ ولماذا لا يخرجون ليدافعوا عن دينهم أمام أعدائه كما يفهمون؟ ليس هذا تجنيا على الشيخ ولا محاولة للافتراء عليه، بل يكفي أن أستمع لمقطعين فقط على "يوتيوب" كي تتحقق من كل هذا، فبعد أحداث ثورة 30 يونيو وأثناء اعتصامات الإخوان قال بالحرف الواحد "إن الدولة تحارب الإسلام تحت مسمى الإخوان وإن الدولة لأول مرة تغلق مساجد الله.. ثم عقب قائلا إن هذه الاعتصامات لن يتم فضها طالما الحرب على الدين قائمة موجهًا التحية والتهنئة لهؤلاء المعتصمين داعيًا لهم بالثبات في مواجهة الكائدين"!

هنا المقطع كاملا


ويوم فض الاعتصام خرج وصديقه محمد حسان إلى ميدان مصطفى محمود، ليقف حسان على المنصة أمام المعتصمين قائلا لهم "جئنا إلى هنا كي نقول لكم إن دماءنا ليست أرخص من دمائكم" ثم يأخذ منه الشيخ يعقوب الميكروفون داعيا المعتصمين بالثبات والصمود قائلا"اثبتوا نصركم الل.. اثبتوا حفظكم الله بالروح بالدم نفديك ياديننا.. نحن بين يديكم نحورنا دون نحوركم ودمنا دون دمكم إن الذي يظن أنه سيفض الاعتصامات أقول له لن تفض هذه الاعتصامات طالما ديننا يحارب"!
هنا تتعالى أصوات المحتشدين "بالروح بالدم نفديك يا إسلام".
والغريب عندما تتمكن الدولة من الفض يدعي كذبا وزورا أنهم ما ذهبوا هناك إلا لحث الشباب على الانصراف!

هنا المقطع كاملا





تلك بعض الهوامش السريعة لجزء بسيط من الشهادة، والتي توضح للعيان مدى منهج هؤلاء وكيف يتلونون حسب الأحداث.

إن شهادة الشيخ يعقوب وتبرؤه من أفكاره كالتي نقضت غزلها لم تكن تعرية للشيخ نفسه بقدر ما كانت تعرية لتيار عريض ورموز كبيرة ظلت تتوارى حول شعارات براقة سنوات طوال، ثم جاءت المواقف لكشفها أمام الناس فتساقطت رمزيتهم وهالتهم كما تتساقط قطع الدومينو المصفوفة واحدة بعد الأخرى ويبدو أن جعبة السقوط ما زالت ممتلئة وأن الأيام حبلى بالعجائب.