رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خريطة الحركات الإسلامية فى شرق إفريقيا (2 ــ 3)

الحركات الإرهابية
الحركات الإرهابية

يواصل الباحث في الحركات الإسلامية سامح عيد، رصده الحركات الإرهابية في شرق إفريقيا، حيث يرصد ويحلل ظروف نشأة هذه التنظيمات ومسار حركتها.

وأشار إلى أن حركة الشباب تأسست عام 2004 تحت لواء المحاكم الإسلامية، ولكنها استقلت عنها في أعقاب هزيمة الأخيرة أمام القوات الإثيوبية، وظلت حركة الشباب تقاوم الاحتلال الإثيوبي حتى نجحت في إجباره على الانسحاب في ديسمبر2008.

وقاد حركة الشباب مختار علي روبو المعروف أيضا باسم أبي منصور الذي كان نائًبا لوزير الدفاع في حكومة المحاكم الإسلامية، ثم تلاه آدم حاشي عيرو الذي تلقى تدريًبا في المعسكرات الأفغانية -ربما يفسر هذا زعم البعض بوجود صلات بين حركة الشباب وتنظيم القاعدة ويفسر أيضا وضع حركة الشباب على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية.

وتمثل حركة الشباب البديل الأكثر تشددا من المحاكم الإسلامية فهي جماعة جهادية تسعى لإنشاء الدولة الإسلامية الصومالية وتتبنى الجهاد ضد الغرب وأعداء الإسلام، وكذلك تسعى لفرض تطبيق الشريعة في جميع أنحاء الصومال، كما أن لديها ما بين 3000 و 7000 مقاتل من ذوي الخبرات القتالية العالية، واستطاعت حركة الشباب السيطرة على أجزاء كبيرة من أحياء مقديشيو، وأقامت قواعد عسكرية في أجزاء كبيرة من جنوب الصومال.

وقال: إن التحول السياسي الذي شهدته إثيوبيا عام 1991 بسقوط منجستو هيلا ماريام قد هيأ المناخ المواتي لتزايد النشاط الديني، مما أدى لانتشار الجماعات الإسلامية، ومن بينها الحركة السلفية وجماعة التبليغ والحركة العقلانية، وبدأت الحركة السلفية في إثيوبيا في أواخر الأربعينيات وعادت إلى الظهور بقوة مجدًدا في فترة التسعينيات.

ومنذ ذلك الحين، واجهت الحركة السلفية العديد من الانقسامات الداخلية، مما أدى لظهور جماعة أهل السنة، وهي فصيل دعوي أكثر تشددا من السلفيين، ثم بدأت جماعة التكفير والهجرة تفرض نفسها بقوة منذ منتصف التسعينيات.

وبالنسبة لجماعة التبليغ فتعتبر أكبر حركة إسلامية من حيث العدد في إثيوبيا، وتكرس نشاطها الدعوي بين المسلمين خاصة في منطقة كوراج في أديس أبابا، واتسمت بانعزالها في مساجدها ومركزها الرئيسي.وأخيًرا هناك الحركة العقلانية وهي جماعة غير رسمية وخالية من أي هيكل تنظيمي، نشأت داخل جامعة أديس أبابا وأتباعها من الطلاب والمثقفين من الشباب في المناطق الحضرية.


ــ تطور الحركات الإسلامية

بالرغم من تشابك الدين مع النضال من أجل الاستقلال منذ بداية الثورة في إريتريا إلا أن دوافع هذه الثورة لم تكن الإسلام السياسي أو الرغبة في إقامة دولة إسلامية.

وكانت جبهة التحرير الإريترية التي تأسست في المهجر بالقاهرة عام١٩٦٠، تستلهم أفكارها من رؤية الوحدة العربية للرئيس جمال عبد الناصر والحركات الوطنية العربية في دول كالجزائر وفلسطين.

ومع هذا ظلت أفكار العلمانيين الوطنيين تتقاطع مع وجهات نظر الحركات الإسلامية خاصة في جهة تأكيد أن المسلمين قد تم تهميشهم واضطهادهم من قبل المسيحيين، مشيرين بذلك إلى بقاء البعد الديني في جميع مناحي الحياة النضالية.

ويرى البعض أن أول حركة إسلامية إريترية تبنت فكًرا جهادًّيا يهدف إلى إقامة مايسمى "دولة الخلافة الإسلامية" في إريتريا هي حركة الجهاد الإسلامي، إلا أن أول انقسام في صفوف الحركة قاده أبو سهيل (محمد أحمد صالح) وهو مقاتل سابق في أفغانستان عاد إلى إريتريا في أوائل التسعينيات.

ويشير نائب أمير حركة الجهاد الإسلامي الإريتري أبو البراء حسن سلمان إلى أن النظام المسيحي في إريتريا ونفاق الحكومة يمثلان العدو الحقيقي للحركة، فهدف الحركة هو قيادة جهاد ضد حكومة الجبهة الشعبية التي فقدت شرعيتها بسبب الإجراءات التي اتخذتها ضد المسلمين، ويزعم بأن النظام قتل وسجن العديد من المسلمين، وأغلق المؤسسات التعليمية الإسلامية ومنع الحريات العامة.

وفي عام 2004 رفض السكرتير العام لحركة الجهاد الإسلامي الإريتري خليل محمد عامر وجود جماعة جهادية إريترية، وبدلا من ذلك أشار إلى وجود حركتين هما حركة الجهاد الإسلامي، وحركة الإصلاح الإسلامي، ولكل منهما توجه فكري مختلف، ومعظمهم ينتسبون إلى فكر حركة الإخوان المسلمين.

وقد امتنع خليل عن تحديد الانتماء الفكري للحركة ومع ذلك يمكن أن نستدل من كلمة "إصلاح" بأن حركة الإصلاح الإسلامي تنتسب إلى فكر الإخوان المسلمين؛ حيث أكد على أهمية العمل الدعوي والتعليم والتنوير ويدين الإرهاب وممارسة العنف، ويؤكد على التعايش المشترك بين المسلمين والمسيحيين وعلى مواءمة الإسلام للديمقراطية الليبرالية وعلى أهمية تعزيز الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين الديانتين والحكم الديمقراطي، بالإضافة إلى دعوته إلى فصل الدين عن الدولة، ويشير إلى أن القوانين الدينية الشاملة "يجب أن تعمل بمعزل عن الآليات الدستورية"، وبذلك يتحدد دور الحركات الإسلامية في النضال المستمر، ورؤيتها للمنظمات السياسية الإريترية في المستقبل.


ـــ صراع على السلطة السياسية في إثيوبيا

وأوضح الباحث في الحركات الإسلامية سامح عيد، أن تكريس السلفيين الإثيوبيين لقدر كبير من جهدهم لما يسمونه تنقية الإسلام من ممارسات غير إسلامية وتركيزهم على إصلاح الممارسات الإسلامية، يدعو إلى القول بأن السلفيين الإثيوبيين يمكن أن يصنفوا على أنهم إسلاميون إصلاحيون، كما أن موقفهم واضح وهو أن الحرية والمساواة بين مختلف المجموعات الدينية لا يتحقق إلا من خلال إيجاد حكومة علمانية، وهناك عناصر ضمن السلفيين ترحب بالتوسع في النظام القضائي الشرعي بما في ذلك العقوبات البدنية، إلا أن الاتجاه العام للسلفيين الإثيوبيين يدرك جيًدا استحالة إدخال الشريعة في نظام الحكم في إثيوبيا، وإن الموقف الداعم لسلفيي الأرومو واضح للحركة القومية الأرومية.

ويعد هذا مؤشرا في غاية الأهمية بالنسبة للسلفية كمرحلة انتقالية لم تتمكن من تجاوز حدود الانتماء العرقي في إثيوبيا، حيث كان السلفيون في منطقة "بالي" التي تعد مركًزا أساسيا لهم ولجبهة تحرير الأرومو يدعون خلال فترة التسعينيات إلى فكرة القومية الأرومية المبنية كلًّيا على أساس قومي، بدلا من الدعوة للأمة الإسلامية القائمة كلًّيا على أساس الدين، وليس هذا فحسب بل يوضح هذا الموقف ارتباطهم القوي بالهوية القومية، انطلاقا من قناعتهم بأن الإيمان والدين شأن مشترك بينهم يميزهم عن الآخرين، وأن فصلهم للدين عن الحياة العامة والسياسة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك وجود فكر علماني في أوساط السلفيين الإثيوبيين بشكل كبير، ولكن تطورات السنوات الأخيرة، كالانقسام الذي حدث في صفوف جبهة تحرير أرومو، أفقد فكرة الهوية القومية الكثير من بريقها وجاذبيتها، وقلل من مصداقية الداعين لها في أوساط الأرومو.


وأشار إلى أن بروز حركة التكفير والهجرة مجدًدا في منطقة "جما" التي حققت فيها انتشارا واسعا وخاصة في أوساط الشباب المسلم من القرويين يبدو وكأنه يعزز فكرة صعود الهوية السلفية على حساب ضعف الهوية القومية أو الدينية بشكل عام، فبالرغم من الجهود التي بذلها العلماء المسلمين وقادة الحركة السلفية لتهدئة جماعة التكفير والهجرة وللحد من اندفاعها، إلا أنها استمرت في هذا الاندفاع ومن ثم تأجيج التوترات البينية للأديان والداخلية للمسلمين، فقد لعبوا دوًرا أساسًّيا في المواجهات بين المسلمين والمسيحيين في جما عام 2006، واتخذوا مواقف حازمة تجاه السلفيين وغير السلفيين من المسلمين على حد سواء.

وتبنت جماعة التكفير موقًفا أكثر تطرًفا من الدولة الإثيوبية، وذلك برفض بعض أتباعها حمل البطاقات الشخصية ودفع الضرائب للدولة، وظل هذا مجرد توجه لسنوات عدة إلى أن أعلن أتباع الجماعة في منطقة جما عام 2009 هذا الموقف على الملأ، ونتيجة لهذا الموقف بعثت السلطات الإثيوبية قوة عسكرية إلى المنطقة فدخلت في مواجهات عنيفة مع الجماعة التي دافع أتباعها عن أنفسهم، وبعد أن تمكن النظام من هزيمتهم بسهولة قام بحملة اعتقالات واسعة ضدهم.

وفي الوقت الذي ترى فيه جماعة التكفير بأن إقامة نظام إسلامي يعتبر بعيد المنال، فإنه من المنطقي أن تختار الجماعة تبني استراتيجية الاعتزال لتنأى بنفسها عن نظام الحكم وبنية المجتمع سعيا منها لإيجاد حيز تحقق فيه رؤيتها الفكرية.


وبالمقارنة مع السلفيين، فإن حركة التبليغ سعت بوضوح لتفادي المشاركة السياسية، وغدا هذا الموقف من المبادئ الأساسية للجماعة التي دعت بدلا من التدخل في الشئون السياسية إلى أسلمة المجتمع من خلال جهود إسلامية فردية لقيادة الآخرين نحو الإسلام وإلى التمسك بالقيم الإسلامية الفاضلة.

ومن جهة أخرى، تم استغلال شبكة عمل الحركة من قبل مجموعات أخرى في العديد من الجوانب لإيجاد واقع يجعلها تتساوى مع الحركات الإسلامية في بعض الأحيان، ففي الصومال وأوغندا تمكنت جماعات من تكوين فرع لحركة التبليغ ذات توجهات سياسية.

وتمكنت جماعة التبليغ في إثيوبيا من العمل علًنا وفق مبادئ الحركة، وحافظت على نهجها دون أن تسلط عليها الأضواء، فحصر الحركة نشاطاتها في مراكز وفي مساجد مختارة في أديس أبابا جعل منها غير محسوسة وأبقى عليها في منأى عن الانغماس في السياسة والحياة العامة.


- حركة المثقفين

أما حركة المثقفين التي تعتبر وجهة نظرها السياسية أوضح من غيرها، فهي حركة تنسب فكرًّيا إلى جماعة الإخوان المسلمين، ونشرت في أوساط أتباعها فكر حسن البنا وبشكل خاص فكر يوسف القرضاوي.

ومن الجدير بالملاحظة أن حركة الإخوان المسلمين لم تؤسس رسميا في إثيوبيا، بل تم نشر الأفكار بشكل انتقائي، وهو فكر تم تفسيره ضمن رؤية الإخوان المسلمين ونشر من خلال المحاضرات العامة والمقالات.

وقال عيد، إن المثقفين يحرصون على عدم ذكر اسم الإخوان أو فكرهم ليجنبوا أنفسهم الارتباط بحركة محددة، وخوًفا من أن يشغلهم ارتباطهم بالإخوان المسلمين شرارة التدخل من قبل الحكومة، كما أن الحركة مهتمة بشكل أساسي بالمكانة القانونية والشرعية للمسلمين في المجتمع الإثيوبي؛ حيث يسعى أتباع الحركة استنًادا إلى التمييز الذي كان قائًما في الماضي الإثيوبي إلى تصحيح الوضع غير العادل بالعمل على تحقيق المساواة بين المسلمين والمسيحيين في الحياة العامة، ويدعون إلى إيجاد بيئة تحقق الاحترام المتبادل والعيش المشترك بين أتباع الديانتين، مما دعا البعض إلى تسميتها بالحركة العقلانية.

والمثير للاهتمام هنا هو رؤيتهم القائلة بأن حكومة علمانية هي وحدها التي يمكن أن تحمي مصالح مختلف الجماعات الدينية في إثيوبيا.

وتبين هذه الرؤية ارتباطهم بالأفكار الحالية للإخوان المسلمين الذين يقرون بالنظام العلماني والحكم الديمقراطي ويدعون المسلمين إلى الاندماج فيه.