رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ملمس الأفعى الناعم».. ماذا قالت الوثائق السرية عن الحرب السورية؟ (2ــ 2)

جريدة الدستور

يواصل الكاتب اللبناني سامي كليب في كتابه "الحرب السورية بالوثائق السرية" رصد خيوط المؤامرة التي دبرتها قطر وتركيا لإشعال الحرب في سوريا وتدميرها وتشريد أهلها٬ مشيرا إلى أن المعارض السورى هيثم مناع، أمين عام تيار «قمح»، أعلن انسحابه من مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد في الرياض 9 ديسمبر 2015، كان مناع قد أعاد تذكرة الطائرة إلى القنصل السعودى مرفقة بستة كتب من إصدارات المركز السويدى لحقوق الإنسان الذي يرأسه، وأرجع مناع قرار المقاطعة لمؤتمر الرياض، لاعتراضه على وجود ممثلين لفصائل متهمة بالإرهاب، مثلما اعترض على وجود أعضاء آخرين ليس لهم تمثيل في الشارع السورى، وعلى عدم توجيه أي دعوة للاتحاد الوطنى الديمقراطى الكردى، والجيش السورى الديمقراطى الذي يضم العرب والأكراد.

في تفسيره للموقف القطرى والسعودى من سوريا يرى مناع أن المسألة لها جوانب عديدة ولعل من أبرزها أن «قطر ودول الخليج قررت أن تدفن الربيع العربى في سوريا خوفا من انتقاله إليها، أرادت هذه الدول أن تكون سوريا آخر دولة تحصل فيها ثورات وانتفاضات ومشاكل، فكان أن حشدت كل قوتها لإنهائها مهما كلف الأمر، فدفع السوريون الثمن».

وحول بدايات المساعى التركية لإعطاء الأولوية للإخوان، يقول مناع: «منذ عام 2011 وحين التقينا أربعة نواب من المعارضة التركية، روى لنا أحدهم أن وزير الخارجية آنذاك أحمد داوود أوغلو استدعاهم وقال لهم حرفيا: «هناك تغيرات أساسية وستكون تركيا بعد اليوم دولة ذات نفوذ مباشر إقليمي، وستكون البداية الفعلية في سوريا ويجب التعامل مع القضية السورية باعتبارها قضية تركية ونحن مفوضون بالدخول في سوريا»، وفى أول اجتماع لنا في قطر يوليو 2011 مع عزمى بشارة كنت أنا ونبراس الفاضل وفايز سارة ورجاء الناصر وعارف دليلة وأحمد رمضان وعبدالباسط سيدا وغيرنا، أخذنى عزمى بشارة إلى غرفة مجاورة وقال لى أنت تفشل هذا اللقاء أو تنجحه، وكان مثل الكثيرين يعرف موقفى من مسألة الإخوان أو رفضى لأسلمة أو تسليح أو تدويل الثورة.

وخلال الاجتماع تم اقتراح دعوة قيادات إخوانية، وحين طرح اسم «ملهم الدروبي» سارعت إلى المعارضة وقلت أنا لا أجتمع مع شخص التقى منذ أقل من أسبوع برنار هنرى ليفى (وهو فيلسوف فرنسى يهودى مقرب من إسرائيل ودعم الانتفاضات في ليبيا وتونس وغيرهما) ولا أريد أن أحرق نفسى، وقال دكتور برهان غليون: ليس لدى مانع من لقائه، قلت له: اجتمع أنت مع من تريد وغادرت قطر.

الواقع أن قناة الجزيرة أيضا، ومنذ منتصف عام 2011 راحت تروج بقوة للإخوان، ففى يوم واحد مثلا، وأذكر أن الأمر حدث بعد أسبوع من استشهاد شقيقى في درعا، استضافت الجزيرة 18 شخصًا من الإخوان وراحت تقدم كل واحد بصفته، فتقول هذا باحث وهذا أستاذ وذاك معارض.. إلخ، سرعان ما اقتنعنا بأن قطر قررت أن تسير بمشروع الإخوان بالرغم من تأكيد مسئوليها أمامنا غير مرة أنهم وهابيون، كان وضعها آنذاك قويا في ليبيا، وكان عزمى بشارة يقول لنا «بمجرد اتفاقكم على تشكيل لجنة مشتركة من المعارضة ستجدون الكثير من الدول بانتظاركم والأبواب مفتوحة، وسنضع بتصرفكم الطائرات والتسهيلات جميعا».

في إحصاء أجريناه في المعهد الإسكندنافى لحقوق الإنسان (الذي يرأسه مناع) أحصينا 250 عملية مشتركة موثقة بالفيديو نفذها الإخوان بالاشتراك مع النصرة والجبهة الإسلامية وغرباء الشام وغيرهم والذين صاروا فيما بعد داعش، وقد احتفظنا بأفلام اليوتيوب لأنه كان يتم حذفها سريعا، ولفتنا لاحقا أيضا إلى أن أول مقابلة باسم النصرة كانت تلك التي أجراها «أحمد زيدان» عبر الجزيرة مع أبى محمد الجولانى زعيم النصرة، حيث تم احتلال موقع الدفاعات الجوية قرب حلب، ونحن هاجمنا تلك العملية وتساءلنا ماذا يمكن أن تؤثر الدفاعات الجوية في الحراك المدني، فهى لا تقصف براميل ولا غيرها، ثم المقابلة الثانية أجراها «تيسير علواني» مع غسان عبود لتقديم أحرار الشام إلى العالم، كل تلك المؤشرات والاجتماعات كانت توضح لنا يوما بعد آخر بأن المشروع الإخوانى هو المدعوم خليجيًا ودوليًا وتركيًا، وكنا نتعرض لمنع وقمع وملاحقات وتضييق من تلك الدول بما فيها فرنسا. 

ويضيف مناع: «إن القطريين كانوا على قناعة أن النظام سيسقط قريبا، وأذكر أن آخر مرة تحدثنا فيها معهم وكان ذلك في شهر نوفمبر 2011 قالوا لنا إن النظام يترنح وهو ساقط لا محالة ولن تحلموا بفرصة أفضل من هذه، ذلك أن ثمة اتفاقا دوليا على إسقاطه، وهى القناعة التي تشارك فيها أيضا السعوديون والأتراك وغيرهما، وأعتقد أن هذا كان الخطأ الفعلى والذي ساهم في دمار سوريا». 

لعل التعبير الطريف عن تلك القناعات، حصل في لقاء دعا إليه في المغرب السفير المغربى في لبنان الدكتور «على أومليل» حضر الاجتماع هيثم مناع والوزير اللبنانى طارق مترى والإعلامية ريما خلف وغيرهم، حينها سأل مناع رئيس الوزراء اللبنانى فؤاد السنيورة الذي كان من المدعوين: «كيف تتركون رجلًا كالشيخ أحمد الأسير يفعل ما يفعله في صيدا ولبنان؟» أجاب السنيورة ضاحكا: «أنتم السبب، ألم تقولوا لنا سيسقط النظام غدًا، فحينها فكرنا أنه بعد سقوط النظام نتفرغ لإسقاط الأسير» وضحك الجميع.

ــ وكر الخيانة في تركيا
يروى مناع أنه في الأيام الأولى لتشكيل التحالف الدولى ضد النظام السوري، كانت الاجتماعات تحصل في تركيا وكان الاهتمام آنذاك منصبا على الضابط السورى المنشق «رياض الأسعد» تبين لنا أن مدير مكتبه هو تركى الجنسية اسمه توفيق وهو ملازم في الأمن التركى. الغريب أنه كان هو وليس الأسعد من يقرر من يقابل الأسعد ومن لا يقابل، وحين شعر الأتراك بأن مشروع الأسعد لا يكبر، وأن الأردنيين وغيرهم يرفضونه، تم تشكيل غرفة عمليات في هاتاي، كان يحضر فيها ضباط من فرنسا وبريطانيا وأمريكا والسعودية وقطر وتركيا والأردن.

وفي بعض المرات كان يحضر ضابط إماراتي، وحين ذهب أصدقاؤنا في المعارضة فوجئوا أن من بين الحضور النائب اللبنانى عقاب صقر، ولؤى مقداد، وكنا نرى في الواقع أن المال الخليجى يوزع بنسبة 70 بالمائة منه إلى أصحاب اللحى و30% إلى غيرهم من العلمانيين أو المؤمنين بالدولة المدنية وغيرها، لم يكن لدينا أدنى شك أن شوكة الإسلاميين هي المفضلة، حينها تعمدت كتابة مقال ثم ظهرت في مداخلة عبر «بى بى سى» وقلت إن من يريد أن يجاهد فليجاهد في منزل أبيه، ثم جاءتنا فترة الأمير بندر بن سلطان وإشرافه على عمل بعض المعارضة وتنسيق الاجتماعات في الأردن، حيث كان شقيقه سلمان موجودًا مع السعوديين في قسم من فندق الفورسيزونز، وفى قسم آخر كان الأمريكيون وفى الثالث السوريون، وأعتقد شخصيًا أن الفترة البندرية كانت واحدة من مآسى التأمر على الإنسان السورى وليس النظام».

وحاول هيثم مناع ومعه مجموعة قليلة من المعارضة في الخارج، أخذ الرياح في اتجاهات أخرى والسعى للحيلولة دون الضغوط القطرية والتركية المؤيدة للإخوان. حين كان يقال له مثلًا إن النظام ساقط ومن الأفضل الاتفاق مع الإخوان على ما بعد الأسد، كان يورى قصة ابنته التي جاءته يوما وهى في سن 15 عاما وسألته: «ألم تقل لى إنى حرة وأستطيع أن أحب وأتزوج من أريد، فأنا أحب لاعب كرة القدم رونالدينو»، فأجابها ضاحكا: «أنا موافق وأنت أيضا، لكن الأهم أن يوافق رونالدينو». كان يسوق هذا المثال ليقول لمن يؤكد حتمية قرب سقوط الرئيس السوري «هذه الدولة تريد إسقاط الأسد وتلك تريد ذلك ولكن هل حلفاء الأسد موافقون على ذلك؟»، مشيرا إلى أن حسن نصرالله هو الذي ساهم في إطلاق سراح المعارض السوري «هيثم المالح» ما يشير إلى التأثير الكبير آنذاك لإيران والحزب.

يسرد مناع روايات كثيرة عن هدر الأموال الخليجية على تشكيلات معارضة تبين أنها لم تنفع بشىء. يذكر أن الجولانى نفسه تحدث عن هدر مليار دولار، وأن الباحثة السورية والمعارضة في المجلس الوطني «بسمة قضماني» أخذت من الإماراتيين 4 ملايين دولار، وحين ذهبت لتأخذ غيرها قال لها الإماراتيون سنتصرف معك كالبريطانيين، لن ندفع أي قرش قبل الحصول على إيصالات بكيفية صرف المبالغ، وحتى اليوم لم يحصلوا سوى على إيصال صرف مليون دولار، في حين اختفت بقية المبلغ، وفرنسا أخذت من قطر أموالا كثيرة لتمويل المسلحين، وتبين لنا لاحقا أن 80 بالمائة من السلاح ذهب إلى النصرة وداعش. هكذا اختلط الحابل بالنابل في قتل المواطن السورى الذي حلم يوما بوطن فيه ديمقراطية وعدالة وحريات».

يؤكد مناع: «إن القطريين قالوا في أحد اللقاءات وكان موجودًا فيه بالإضافة إليه كل من كمال اللبوانى وهيثم المالح ومعاذ الخطيب ووليد البنى وغيرهم: «سنضع بتصرفكم 4 مليارات دولار، ونحن بصدد وضع المشاريع لبناء الدولة السورية بعد الرحيل القريب للأسد، وسوف نعيد بنائها قبل نهاية هذا العام»، جرى الاجتماع في شهر نوفمبر 2012. لعل قطر التي كانت تاريخيًا الدولة الوحيدة التي منعت تشريع الإخوان على أرضها قبل أن تفتح لهم الأبواب في العقد الماضي، أرادت فعلًا إيصال الإخوان إلى السلطة في سوريا لتستكمل مشهد مشروع إخوانى يسيطر على الكثير من دول المنطقة، لكن ثمة من يقول في الدوحة إن الإساءات الشخصية لعبت دورًا، خصوصا حين راحت التظاهرات في دمشق تضع مجسمات مشوهة للشيخة موزة، عقيلة الأمير، أو ترفع شعارات تشتم قطر وأميرها، وتعززت تلك الشكوك السورية حول نية قطر في إشراك الإخوان في السلطة أو في قلب النظام برمته، حين جاء الوفد الوزارى العربى للقاء الأسد.