رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ملمس الأفعى الناعم».. ماذا قالت الوثائق السرية عن الحرب السورية؟ (1ــ 2)

الحرب السورية
الحرب السورية

من علاقات صداقة ودية٬ إلى تآمر وتخطيط وتمويل للميليشيات والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي٬ تحولت العلاقات السورية القطرية٬ أو ما يمكن أن نطلق عليه ملخصا للمشهد السوري من العام 2003 حتي 2011 كما رصده ووثقه الإعلامي والكاتب اللبناني سامي كليب في كتابه "الحرب السورية بالوثائق السرية".

ما كان أحد يتوقع أن العلاقات الواسعة والمتعددة الأوجه، السياسية والاقتصادية، التي نسجها بشار الأسد مع كل من قطر وتركيا بعد توليه السلطة سوف تتدهور بالسرعة التي رأيناها مع الأشهر الأولى للأحداث السورية، فقد زار الأسد الدوحة 23 أكتوبر 2003 بعد مرور 8 أشهر على الاجتياح الأنجلو أمريكى للعراق، وقابله أمير قطر حمد بن خليفة آل ثانى بترحاب لافت، وأثمرت الزيارة عن توقيع 13 اتفاقية، شملت العديد من القطاعات العامة والخاصة بين البلدين. 

يتابع "كليب": بعد الزيارة بأقل من عامين عقد المؤتمر الاستثمارى السورى القطرى ليرفع مستوى التبادل والعلاقات إلى درجة عالية، ظهرت نتائج التعاون في مشاريع اقتصادية وتجارية وتنموية كبيرة على الأراضى السورية منها المشاريع السياحية التي نفذتها شركة الديار القطرية، أو البنك السورى القطرى، أو إطلاق المصرف الإسلامى من دمشق برأسمال تخطى 5 مليارات دولار.

وكما في الاقتصاد والسياحة والثقافة كذلك في السياسة، فرغم أن قطر كانت تقيم علاقات مع إسرائيل، وكان مكتب رعاية المصالح الإسرائيلية قائمًا في الدوحة، إلا أن أمير قطر عرف كيف يوازن بين هذه العلاقة وأن يكون أول المساهمين في إعادة إعمار جنوب لبنان ومناطق حزب الله التي دمرتها إسرائيل عام 2006، كان الكثير من تلك الحركة القطرية صوب الحزب ولبنان يتم عبر التنسيق مع الأسد وإيران.

الأسد أسهم بشكل كبير في مساعدة الدوحة على أن تكون هي وليس أي عاصمة أخرى مقر «مؤتمر الحوار الوطنى اللبنانى» بعد وصول انقسام اللبنانيين إلى حد الاقتتال في شوارع بيروت حين دخلتها قوات حزب الله في 7 مايو 2008 في أعقاب قرار قطع شبكة الاتصالات الأرضية عن الحزب، وهو العام الذي اجتاحت فيه إسرائيل في أواخره وبداية عام 2009 غزة، في أسوأ حرب مدمرة ضدها، فجرى تنسيق كبير في السياسة الخارجية السورية والقطرية لمواجهة ذلك.

ــ توتر العلاقة بين بشار الأسد والسعودية
منذ الحرب التدميرية على لبنان 2006 وكان ميل الأسد صوب قطر وليس السعودية أكثر وضوحًا من أي وقت مضي، ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير، في خطاب الرئيس السورى بعد تلك الحرب حيث وصف فيه بعض القادة العرب بـ«أنصاف الرجال»، يبدو أن هذه العبارة بقيت كامنة في قلوب السعوديين وبعض دول الخليج حتى غرقت سوريا في الحرب، فذكر بها وزير الخارجية السعودية الراحل الأمير سعود الفيصل بعض الدبلوماسيين العرب قبيل تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية.

وقال الأسد في خطابه في دمشق 15 أغسطس 2006: «من الجوانب الأخرى الإيجابية لهذه الحرب أنها عرت الوضع العربى بشكل كامل، طبعًا لو سألنا أي عربى قبل هذه الحرب عن الوضع العربى سيقول الوضع سيئ وهذا الكلام صحيح، ولكن كان المواطن يرى الوضع العربى مع مساحيق تجميلية، هذه الحرب منعت استخدام هذه المساحيق لأنها أفرزت المواقف بشكل كامل، لم يكن هناك من إمكان لحلول وسط في مثل هذه الحرب التي أسقطت أصحاب أنصاف المواقف أو أنصاف الرجال وأسقطت كل المواقف المتأخرة». 

أحدث الخطاب غضبًا سعوديًا، شعرت القيادة السعودية أنها المستهدفة به لأنها عارضت خطف حزب الله للجنود الإسرائيليين وشاركت في تحميل الحزب مسئولية الحرب على لبنان، كما أن الفريق اللبنانى القريب منها والمعروف باسم «14 آذار» شن حملة شعواء ضد الحزب ومسئوليته في الحرب. أظهرت وثائق ويكيليكس بعد سنوات حجم العداوة التي كان عدد من القوى اللبنانية والسياسيين اللبنانيين المناوئين لحزب الله يوظفونها لمصلحة المساهمة في تدميره، كشفت الوثائق أيضًا كيف كانت أمريكا تضخ المال لتهييج خصوم حزب الله ضده في السياسة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى.

من جانبه، قال السفير الأمريكى السابق جيفرى فيلتمان، في شهادة خطيرة أمام الكونجرس الأمريكي: «تقدم الولايات المتحدة المساعدة والدعم في لبنان بهدف خلق بدائل للتطرف والحد من جاذبية حزب الله في أوساط الشباب اللبناني، وتحفيز الناس من خلال إظهار المزيد من الاحترام لحقوقهم وزيادة الفرص لتحقيق هذه الغاية، ساهمنا بأكثر من 500 مليون دولار من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID) ومبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية (MEPI) منذ عام 2006».

ــ الحفاظ على شعرة معاوية
لم تشأ دمشق أن يصبح الخطاب سببًا في قطع شعرة معاوية مع السعودية، عادت لتضع على لسان وزير خارجيتها «وليد المعلم» لصحيفة الأنباء الكويتية: «الأسد لم يقصد أيًا من الزعماء العرب، الذين يحرص على علاقات شخصية ورسمية معهم حرصه على التضامن العربى المشترك»، موضحًا أن ما قصده الأسد بهذه العبارة «أنصاف الرجال» هو أولئك الأشخاص الموجودون في سوريا وربما خارجها ممن شككوا في قدرة المقاومة على تحقيق النصر، وأن الرئيس الأسد أراد أن يركز في خطابه على ثقافة المقاومة في الوقت الذي أقرت فيه جامعة الدول العربية بموت عملية السلام. 

ظهر الغضب الخليجى أيضًا في مقال نشرته صحيفة «السياسة» الكويتية قالت فيه إن «الأسد بادر بالاتصال بالمملكة العربية السعودية، وطلب مقابلة عاهلها خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وعندما سئل عن سبب المقابلة وهدفها قال إنها ضرورية لشرح موقفه الأخير، فجاء الرد بأن خادم الحرمين الملك عبدالله يرفض طلبه، ويرفض استقباله شخصيًا، ولا يريد الالتقاء به لا حاضرًا ولا مستقبلًا حتى ولو انحصر اللقاء بمدة ساعة في المطار». 

رغم الغضب السعودى وبعض الغضب الكويتى والمصرى من تصريحات الأسد ومن خطاباته في القمم العربية، فإن قطر بقيت إلى جانب دمشق لعلها كانت تريد فعلا إقامة «حلف قطرى إيرانى سورى مناهض للحلف المصرى السعودي» كما تقول مجلة لونوفيل أوبسرفاتور الفرنسية، أو أنها وجدت في الحليف السورى جسرا عربيا مهما للعب دور محورى يستند إلى دعم المقاومة في الظاهر، ويريد احتلال مواقع الصدارة بين دول الخليج على حساب السعودية خصوصًا بعد أن تحولت قناة «الجزيرة» القطرية إلى أداة إعلامية هائلة، في كل الأحوال نجحت قطر في كسب تعاطف الرأى العام المؤيد للمقاومة في سوريا ولبنان وصارت صور الأمير ولافتات تقول «شكرا قطر» منتشرة في الشوارع وعلى الأبنية.

ــ الانقلاب القطري على الأسد
كل ذلك لم يمنع الدوحة من أن تصبح في طليعة الدول التي طالبت الرئيس بشار الأسد بتغيير النظام، ثم دعته إلى الرحيل، لم يتردد مثلا أمير قطر في القول من قلب طهران وفى أعقاب لقائه الرئيس الإيراني «محمود أحمدى نجاد» في 29 أغسطس 2011 أي بعد نحو 6 أشهر فقط من بداية الأحداث السورية: «الجميع يعرف أن الحل الأمنى أثبت فشله ونأمل أن يستنتج صناع القرار في سوريا ضرورة التغيير بما يتلائم وتطلعات الشعب السورى وعلينا أن نساعدهم على اتخاذ مثل هذا القرار». 

تعددت أسباب سرعة القطيعة بين قطر وسوريا، ردها البعض إلى عدم تجاوب الرئيس الأسد مع كل الوساطات القطرية للتهدئة، فهو كان يعد شيئًا ثم يخلف الوعد، ولم يسمع نصحنا الذي قدمناه له مرارا بضرورة عدم الانزلاق إلى الجواب الأمنى على التظاهرات السلمية» كما يقول دبلوماسى قطرى رافق تلك الفترة.

فيما رأى البعض الآخر أن الأمر أكبر من مجرد مطالب إصلاحات، ذلك أن قطر كانت قد وجدت الفرصة ملائمة إما لإقناع الأسد بإشراك الإخوان المسلمين وعلى نحو جيد في السلطة، وإما برحيله والإتيان بنظام تكون الأكثرية فيه للإخوان الذين ذهب الكثير من رموزهم للإقامة في الدوحة أو ارتبط بها أو طل على شاشتها «الجزيرة».

وذهب البعض الثالث إلى حد الحديث عن مخطط يمتد من الدوحة إلى إسرائيل، كان مندوبا سوريا في الجامعة العربية والأمم المتحدة يوسف الأحمد وبشار الجعفرى يكثفان التصريحات التي تتهم كلا من الدوحة والسعودية وتركيا وأمريكا وفرنسا وغيرها بتأجيج الصراع عبر دعم المسلحين والإرهاب، لاحقًا قدم الجعفرى أكثر من 350 وثيقة إلى الأمم المتحدة حول الإرهاب ومموليه.