رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«القاهرة - باريس».. قصة تحالف يقلق جماعات الإرهاب

زيارة السيسي إلى
زيارة السيسي إلى فرنسا

مع تنامي خطر الإرهاب لدى العديد من الدول العربية طيلة العقد الماضي، تجاوزت التهديدات الإرهابية نطاق الشرق الأوسط وباتت تخترق حدود الدول الأوروبية أيضًا، ما بين حوادث الدهس والطعن وصولًا إلى عمليات التفجير التي أثارت الذعر لدى سكان القارة العجوز.

وتعد فرنسا من أكثر الدول الأوروبية التي شهدت تصاعدًا حادًا في وتيرة العمليات الإرهابية المتوالية، فيما شرعت الحكومة الفرنسية في تعزيز أواصر التعاون مع الدول المعنية بمكافحة الإرهاب ومن بينها مصر.

ونتيجة لذلك طالبت فرنسا بمساعدة الدول الكبرى بالعالم الإسلامي - ومن ضمنها مصر- بالتصدي لهيمنة الإسلام السياسي على المساجد والجمعيات الدينية، بالإضافة إلى الاستعانة بجهود القاهرة ورؤيتها في الإسلام المعتدل للتصدي لنفوذ التيارات المتطرفة، وبدأت تهدد مؤسسات الدولة الفرنسية والمجتمع الفرنسي.

توافق مصري - فرنسي
تعتبر السلطات الفرنسية مصر، شريكًا مهمًا في مكافحة الإرهاب والتطرف، حيث عمل البلدان على تعزيز الشراكة الثنائية - خاصة العسكرية- ضمن جهود مكافحة الإرهاب.

وتأكيدًا للشراكة المصرية – الفرنسية في مجال مكافحة الإرهاب، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يزور باريس حاليًا، إنهما أجريا محادثات بشأن التعاون الثنائي الوثيق بين باريس والقاهرة، كما بحثا عددًا من القضايا الإقليمية الأخرى، وسط توافق كبير في المواقف.

ووصف ماكرون، التعاون العسكري والأمني بين فرنسا ومصر بـ"المثالي"، مؤكدًا أن البلدين يعملان على مكافحة الإرهاب الذي ضربهما معًا.

وفي نوفمبر الماضي، أكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، في مؤتمر صحفى مشترك مع وزير الخارجية سامح شكرى، بقصر التحرير فى القاهرة، أن المسلمين جزء من فرنسا، وأن بلاده تكافح الإرهاب والتطرف في فرنسا، مشيرًا إلى أن الإرهاب يستهدف عددًا من البلدان ومنها الدولة المصرية، مشيدًا بدور مصر في محاربة التطرف والجماعات المتطرفة.

وفي يناير 2019، أكد الرئيسان عبد الفتاح السيسي، ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اتفاقهما على الرؤى بشأن مكافحة الإرهاب، وذلك خلال مؤتمر صحفي على هامش زيارة ماكرون للقاهرة آنذاك.

وصرح السيسي، خلال زيارة الرئيس الفرنسي: "لقد شهدت محادثاتنا اتفاقًا في الرؤى بشأن أهمية الاستمرار في مواصلة العمل لمكافحة ظاهرة الإرهاب البغيض الذي يستهدف أمن الدولتين ومصالحهما على حد سواء".

وأكد أن الإرهاب "يمثل تهديدًا مباشرًا لجهدنا في تحقيق متطلبات التنمية المستدامة، والتحدي الأكبر على درب تحقيق رخاء شعوبنا".

وفي نوفمبر 2017، أكد الرئيس ماكرون، دعم فرنسا الكامل لمصر لمكافحة آفة الإرهاب ووقوفها معها في هذه المِحنة، وذلك خلال اتصال هاتفي مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، عقب هجوم بئر العبد الإرهابي الذي أودي بحياة العشرات من الشهداء والمصابين.

خطر محدق
على مدار السنوات الماضية، شهدت فرنسا العديد من الهجمات الإرهابية أبرزها؛ الهجوم على مقر صحيفة شارلي إيبدو في يناير 2015، تلاها هجمات باريس خلال نوفمبر من العام نفسه، وهجوم يوليو 2016 في مدينة نيس، ثم هجوم ستراسبوغ في ديسمبر 2018، وأخيرًا ذبح مدرس فرنسي على يد شاب متطرف من أصول شيشانية.

وأثارت هذه الواقعة حالة من الصدمة والذعر بين الفرنسيين ما دفع السلطات الفرنسية لاتخاذ إجراءات صارمة للقضاء على الجماعات المتطرفة داخل البلاد، ووضع حد لهذه الهجمات الإرهابية المتصاعدة.
وألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خطابًا تاريخيًا منذ شهرين أعلن فيه رفض بلاده نفوذ الإسلام السياسي داخل المجتمع الفرنسي، فيما حذر المراقبون من انتشار الجماعات المتشددة داخل فرنسا خلف ستار الجمعيات الخيرية، بغية تمويل المتطرفين.

إجراءات فرنسية
ومع توالي الهجمات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة، شرعت فرنسا في اتخاذ العديد من الإجراءات لمكافحة الإرهاب والتي تعددت أشكالها بين إجراءات قانونية وأمنية ودولية للحد من انتشار الإرهاب على الصعيدين الفرنسي والأوروبي ككل.

وفي أكتوبر 2017، أقر البرلمان الفرنسي قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل بشكل نهائي ما يعطي السلطات صلاحيات جديدة دائمة لمداهمة منازل وإغلاق مراكز عبادة وتقييد حرية الحركة.

واعتمد مجلس الشيوخ الفرنسي القانون الجديد، بديلا عن حالة الطوارئ التي فرضت بعد اعتداءات باريس عام 2015، بهدف مواجهة المخاطر الإرهابية في البلاد التي تعرضت لسلسلة اعتداءات دامية منذ خمسة أعوام.

ومن شأن هذا القانون أن يجعل عدة إجراءات فرضت بعد اعتداءات باريس وضمنها قوانين الطوارئ- دائمة.

وفي وقت سابق، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن بلاده أحبطت 13 مخططًا إرهابيًا في عام 2017، مؤكدًا عزم حكومته على تحقيق الأمن للفرنسيين رغم الصعوبات.

وقف مصادر التمويل
ولم تقتصر جهود الحكومة الفرنسية في محاربة الإرهاب على السياق الأمني فقط، وإنما حشدت فرنسا جهود البلدان العازمة على تحديد جميع مصادر تمويل الإرهاب وإنضابها.

وفي عام 2018، وبناءً على مبادرة الرئيس ماكرون، نظمت فرنسا مؤتمرًا دوليًا في باريس يومي 25 و26 أبريل 2018 بعنوان "لا لتمويل الإرهاب" يهدف إلى مكافحة تمويل تنظيمَي القاعدة وداعش.

وحضر الدورة الأولى للمؤتمر ممثلون عن سبعين دولة ومسئولون في عشرين منظمة دولية وإقليمية ووكالة متخصصة، والتزمت الدول الأعضاء في بيانها الختامي بالنهوض بالأطر القانونية الخاصة بكلّ منها وتعزيز تعاونها في مجال المعلومات.

وعُقدت الدورة الثانية لمؤتمر "لا لتمويل الإرهاب" يومَي 7 و8 نوفمبر 2019 في أستراليا، حيث تعمل فرنسا على حشد جهود المجتمع الدولي بغية تنفيذ خطة باريس.

محاربة داعش
وعلى الصعيد الدولي، شاركت فرنسا في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في أغسطس 2014 بهدف دعم السلطات العراقية في حربها ضد التنظيم الإرهابي.

وفي سبتمبر 2015، وفي ظل التهديد الإرهابي على فرنسا، قررت فرنسا توسيع نطاق المشاركة ليشمل مناطق سورية بغية تفكيك سيطرة تنظيم داعش الميدانية في البلاد.

جهود الاتحاد الأوروبي
تعمل فرنسا أيضًا على المستوى الأوروبي من أجل تعزيز الأدوات التي يملكها الاتحاد الأوروبي في مجال محاربة الإرهاب، وأُحرزت عدة إنجازات بارزة في غضون السنوات الماضية، من بينها استحداث نظام سجل أسماء المسافرين الذي يتيح مراقبة التنقلات الجوية على نحو أفضل.

بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع المنصات الرقمية من أجل مكافحة استخدام الإنترنت لأغراض إرهابية في إطار منتدى الاتحاد الأوروبي للإنترنت، كذلك تعزيز تدابير مكافحة الاتجار بالأسلحة، ووضع قواعد جديدة ترمي إلى منع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، فضلًا عن تعزيز مكتب الشرطة الأوروبية (يوروبول)، ولا سيما مركز مكافحة الإرهاب.