رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"على شريعتى".. الرجل الذى تبرأت منه الشيعة ورفضته السنة

جريدة الدستور

"إن ما نراه الآن من تشيع ليس هو التشيع العلوى المنبثق عن إسلام محمدى ربانى نؤمن به ونعتز، وإنما هو تشيع شعوبى نازى حاملًا لواء الإمامة العنصرية"

كلمات لا يمكن أن تتخيل أن تخرج من رجل شيعى فضلًا عن كونها تخرج من أحد الذين يتمسكون أشد التمسك بهذا المذهب لكنه رجل التنوير الثائر حتى على مذهبه إنه الدكتور"على شريعتى"، أو "علي محمد تقي شريعتي مزيناني" المفكر والمجدد الإيرانى. 

النشأة 

ولد "شريعتى" فى قرية قرب مدينة "سبزوار" عام 1933، لم يكن علي شريعتي مفكرًا بالمعنى التقليدي؛ كان مغامرًا يخوض بحار الأفكار دون خوف ولا تردد يجرب يبحث دائمًأ عن كسر حواجز الظلمات، فأسس اتحاد الطلبة المسلمين، وهو لايزال طالبًأ فى كلية الآداب.

ورث عن أبيه فكرة التجديد إذ كان واحدًا من دعاته داخل المذهب الشيعى، لكن الابن ذهب أبعد مما كان يحلم به الأب خاصة بعد أن رُشح لبعثة عملية فى فرنسا عام 1959م، فدرس علم الأديان، ولم يكتفى من العلم بدرجة واحدة بل درجتان؛ إذ حصل على دكتواره فى "تاريخ الإسلام" واخرى فى "علم الاجتماع".

يصعب عليك أن تصفه بوصف واحد، أو تضعه فى إطار محدد إن قرأت له، وهذا شأن كل مفكر حر لذا قال عن نفسه: أنا عند الإسلاميين شيوعي، وعند الشيوعيين إسلامي ! لان المفكر الحر يستحيل تصنيفه.

لعل أصدق ما قيل فيه وصفه لنفسه بوصف جامع حينما قال: أنا، سني المذهب، صوفي المشرب، بوذي ذو نزعة وجودية، شيوعي ذو نزعة دينية، مغترب ذو نزعة رجعية، واقعي ذو نزعة خيالية، شيعي ذو نزعة وهابية، وغير ذلك ( اللهمّ زد وبارك ).



 الشيعىة يحكمون

عاش "شريعتى" رجل محب عاشق لأمته، والعاشق يرى ما لايراه غيره؛ لذا قال أحلم بيوم يجلس فيه المسلمون جميعا عربًا واتراكا وإيرانيين من كل بقاع الأرض حيث يجلس الحنفى، والمالكى، والشافعى، والحنبلى، والإمامى، والزيدى على مائدة واحدة تدوى بأصوات فيها علم، وأدب، وتصوف، وفقه تعلوها روح الاخوة، وذوق المودة، والمحبة، وزمالة العلم، والعرفان.

كان شجاعًا فوق الوصف فخاض معركته الفكرية بكل قوة وقاتل كهنة مذهبه الشيعى من الداخل من قلب المذهب، ونذر حياته ليحارب الطائفية بالحقائق فقال عن سبب ظهور الطوائف وتفرق الأمة: إن السر يكمن فى جماعات استغلت عاطفة الناس الدينية، وحبهم لمذهبهم الشيعى ليحكموا، فلما حكموا تحول هدفهم للبقاء فى الحكم؛ فاتخذوا من المزايدة وسيلة ناجحة للبقاء، فزايدوا، وزايدوا حتى زيفوا، وصار الزيف دينًا، ومذهبًا هم سدنته، وحكامه، ورعاته، وحينما تكون العقيدة سطحية، والإيمان أيضا سطحى دون وعى فسرعان ما تتحول هاتان النعمتان إلى ضيق شديد فى الأفق، وتبعية عمياء للخرافة، وتصبحان حجر عثرة أمام الجميع. 

حينما تقرأ له يجبرك على احترامه، وإن اختلفت معه، وعلى حبه وإن لم تؤمن بما يقول فهو واحد من الذين لم يكونوا موضوعيون فحسب، وإنما كان معلمًا للموضوعية، ولم يكن لديه وعى عميق فحسب وإنما كان واحدًا من الذين يحرضونك على الوعى على الإدراك.

العودة إلى الذات

ورغم حايته القصيرة إلا أنه ألف العديد من الكتب التى أحدثت ضجة كبيرة وكانت علامات بارزة فى محطات الكر الإسلامى والإنسانى مثل: كتاب "دين ضد دين"، و"الإسلام والإنسان"، و"معرفة الإسلام"، و"العودة إلى الذات"، و"الحسين وارث آدم"، وكتاب "التشيع الصفوي والتشيع العلوي"، وهو الكناب الذى حارب فيه الطائفية بشدة وحاول أن يهدم كثيرمن الفوالرق بين السنة والشيعة، وكتاب "مسؤولية المثقف"، وكتاب "النباهة والاستحمار"، و"بناء الذات الثورية". 


عاش الرجل حياته يناضل من أجل أن تكون أمتة أمة واحدة متحضرة تؤمن بالتنوع ولا تخاف من الإختلاف سلاحة الوحيد الفتاك كانت كلماته الدقيقة الرقيقة الرقراقة جعلت الشباب الإيرانى يلتفون حوله.

الرحيل 

بلغ عدد الطلاب الذين يأتون لمحاضراته فى حسينيته الشهيرة باسم "الإرشاد" خصيصًا خمسين ألف طالب، ووصل مجموع ما طبع له فى السبعينات لـ 15 مليون نسخه ووزع كتابه "الولاية" ما يزيد على مليون نسخه.

خشيه رجال الدين والسياسة على السواء، فتكالب عليه الحكام، والعوام، ومراجع الدين، وعلمائه، وقرروا جميعا اغتياله، فحكم رجال الدين عليه بأنه زنديق، واتهمة جهاز المخابرات الإيرانى "السافاك" أنه وهابى متأمر على الشيعة فسجن ثمانية أشهر.

تعرض النظام الإيرانى للضغط بسب اعتقاله فأفرج عنه، وحدد إقامته ثم طلب منه مغادرة "إيران" إلى "لندن"، وبعد شهر من وصوله للندن وجد مقتولًا فى شقته عام 1977م وعمره أنذاك 43 عامًا. 

رفضت السلطات الإيرانية دفن جثمانه فى أراضيها فدفن فى الحرم الزينبى بدمشق، لقد مات على شريعتى فى غربته ترفضه احضان "السنة"، وتتبرأ منه احضان "الشيعة". 



من أبرز أقواله: 

- ماتَ جارِي أمس مِن الجُوع، وفِي عزاءِه ذبَحوا كلّ الخِرافِ. 

- إنهم يخشون من عقلك ان تفهم ولا يخشون من جسدك ان تكون قويا. 

- عندما تقرر الوقوف ضد الظلم، توقع أنك سوف تُشتم ثم تتخون ثم تتكفر لكن إياك أن تسكت عن الظلم من أجل أن يقال عنك أنك رجل سلام. 

- إن شئت التمرد على الديكتاتورية وعدم الرضوخ للظلم، ما عليك سوى أن تقرأ وتقرأ وتقرأ. 

- إذا لم يكن الشعب على وعي وثقافة قبل الثورة، فلا يلوموا أحدًا عندما تسرق ثورتهم. 

- إذا أردت أن تخرب اي ثورة فقط أعطها بعدًا طائفيًا أو دينيًا، وستنتهي إلى هباء. 

- أبي إختار لي إسمي.. وأسلافي إختاروا لى إسم عائلتي.. هذا يكفي، أنا من أختار طريقي. 

- أبرز صفات العباقرة هي شعورهم بالوحدة في زمانهم، أجانب في أوطانهم، ريثما يأتي القادمون في المستقبل فيعرفونهم ويفهمونهم ويُدركون مستوياتهم.

- إن الحرب بين المسلمين ليست حربا بين التشيع والتسنن ولا من أجل العقيدة بل هي معركة بين مصالح دول ضحيتها العوام من السنة والشيعة.