رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيعة العرب مواطنون أم عملاء؟

جريدة الدستور

الشيعة العرب، وافقنا أم أبينا، متموضعون داخل المنطقة العربية، ولهم وجود كبير في الفضاء العربي، ومتماسون بشكل كبير فى العديد من القضايا، ولهم دور فى ثورات البحرين، أو الأزمة السورية، والعراقية، ومشكلات الدولة اللبنانية، وأخيراً بالأزمة اليمنية.

و"عاصفة الحزم" جاءت لتكشف اللثام عن الحالة المذهبية الصاعدة بقوة فى المنطقة، وموضع الشيعة العرب، وفعاليتهم بالمنطقة بأكملها، وأزماتهم في ذات الوقت، ونظرة الفضاء الإسلامي لهم، وتصنيف الأنظمة العربية لهم، إما أنهم تابعون للمشروع الإيرانى وعملاء، أو أنهم فاسقون مبتدعون أو كافرون عند السلفيين أو التكفيريين السنة، والنار التى وقعوا فيها، الأولى النار الإيرانية التي تعتبرهم ذراعاً لها فى المنطقة، والثانية نار الأنظمة والجماعات الدينية العربية التي تعتبرهم خارجين من الملة، دون أن يعتبر أحد التعدد والتنوع داخل المذهب الشيعي.





"التشيع العربي" و"الإيرانى"

العارفون بالمذهب الشيعي يدركون بشكل كبير، طبيعة التنوع الفكري والثقافي والمعرفي، والاختلافات الضخمة بين أتباعه، ومن الصعب بمكان، أن نجعل الجميع كلهم فى سلة واحدة، وإن كانت إيران منذ نجاح ثورة الخومينى، استفادت من الشيعة العرب، إلا أنها لم تستطع ان تصهرهم بشكل كبير، فهم ليسوا كلهم يحملون ويعتقدون بمبدأ "ولاية الفقيه"، فضلاً عن أنهم لهم أكثر من مرجعية، فالمرجعيات متنوعة ومتعددة وموزعة على أوطان شتى هم جزء منها ويتأثرون بأوضاعها، وقد تبلغ خلافاتهم حد سفك الدماء، كما كان قد حصل في لبنان بين حزب الله وأمل، وفي العراق بين جماعة مقتدى الصدر وجماعات أخرى.

ونقلاً عن الباحث مصطفى زهران، فإن هناك "قومية شيعية عربية"، على العالم السني ورموزه أن يفيقوا وينتبهوا إليها.

وكتب الباحث صالح العلي عن الدور المقاوم للشيعة العرب إزاء مايصفونه بالغزو الإيراني الفارسي، مطالباً بإعادة القراءة للمكون العربي ووضعه في قالب خاص، قائلاً إنه مهم للغاية في هذه الآونة.

وما سبق هو ضرورة مهمة وملحة بالفعل، أى التعامل الإيجابي مع الشيعة العرب، على منطق مختلف، وهو أنهم جزء عربي أصيل، دون تخوين واتهام بالعمالة.

السلفيون لا يفرقون بين الشيعي العربي والفارسي

لكن التيارات السلفية، أو داعش على مستوى العموم، لا تفرق مطلقاً بين شيعة وآخرين، ولا تعترف بالاختلافات بين الشيعة، ولا ترى أى تصنيف يفرق بين زيدى واثناعشري، أو شيعي إيرانى، أو عربي.

وقد كان سلفيو مصر أيام حكم المعزول مرسي، يقولون فى مؤتمراتهم، إن الشيعة أخطر من اليهود، ونشأت منذ الثورة وحتى اللحظة عشرات الائتلافات، التي تتكسب من حكاية الشيعة، وتتلقى تمويلات ضخمة من الخليج، لمواجه الشيعة المصريين، والمد الشيعي، وهم لا يكفون عن التحريض ليل نهار، ويستغلون بعض ما تفعله الميليشيات المحسوبة على إيران فى العراق، وناسين أن الشيعة هناك ليسوا شيئاً واحداً.

على الطريقة ذاتها، سار الداعاة السلفيون والوهابيون، مع بدء "عاصفة الحزم" معتبرين أنها حرب شيعية سنية، وجهاد فى سبيل الله ضد الروافض، وهو ما قاله برهامى، وبنفس الطريقة إمام الحرم، رغم أن ذلك لا يخدم سوى إيران، فبينما يزداد الاحتقان الطائفي، يتهم الشيعة العرب بالعمالة، فلا يجدون سوى طهران التى تحتويهم، باعتبارهم منبوذين من مجتمعاتهم العربية والإسلامية، وهو ما يتحقق بالفعل في أرض الواقع.

فى المقابل، تسير الأجهزة الأمنية بنفس الأجندة، والقليل مما تفعله أنها تقوم بعمل قضايا للشيعة العرب، كلما زادت الخلافات مع طهران، ويتم توظيف الشيعة العرب، على أنهم ورقة ضغط يتم التعامل بها مع الإيرانيين.

فى الختام، هل يمكن أن تفرق الأنظمة العربية، بين شيعة يستخدمون لتحقيق أغراض سياسية، وشيعة عرب لا علاقة لهم بأجندات، وليست لهم مطالب سوى التعامل معهم، على مفهوم المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية، ووفق مبادئ الدستور.

هل تستطيع الأنظمة العربية، ان تقوم باحتواء الشيعة العرب، والتفريق بين المرجعيات، الإيرانية والمرجعيات العربية الشيعية؟ هل نستطيع أن نهمش الانتماءات الطائفية والدينية والقبلية، ونعلي من شان المواطنة على أساس الدستور والقانون والمساواة والعدالة؟

هذه هى الأسئلة الصعبة التى تواجه نا فى خلال تلك الآونة، التي تدعى فيها داعش والقاعدة، أنهما يواجهن المد الشيعي، ويستغلان ذلك الملف جيداً.




إيران تخترق النجف والعرب أيضاً

إيران كأى دولة محورية هامة، وقوية، لها أدواتها، وهذا حق طبيعي لها في الصراع الإقليمي، أن تستخدم ما تشاء من أدوات، والعيب على الآخرين، الذين رضوا ذلك بأفعالهم، وضعفهم، والذي أقصد أن إيران استخدمت الشيعة العرب كأجندة سياسية لها، فيما صمت العرب على ذلك، دون أن يقوموا بعملية الاحتواء، أو مد الأيادى للشيعة العرب الذين وقفوا وحدهم فى الميدان يقاومون التشيع السياسي الإيرانى، يستهدف هويتهم العربية كلها، كما قال الشاب العراقي في تسجيل مصور، محمد الزيدي، إن إيران، خططت للتغيير الفكري، من خلال رجال الدين المحسوبين على ولاية الفقيه، الذين يريدون تغيير الخلفية الذهنية للعراقيين وإحلال الخلفية الإيرانية الفارسية في جنوب العراق، ومن خلال فتح حوزات لصغار السن تحمل الثقافة الفارسية الإيرانية.

 كما خططت للتغير الديموغرافي، والاحتلال الاقتصادي، ثم السيطرة الأمنية على الدولة العراقية عبر الميليشيات الموالية، وعن طريق تصفية جميع العشائر العربية وتغيير ثقافتها العربية إلى ثقافة إيرانية أو تهجير تلك العشائر، وخصوصًا العشائر السنية، وكذلك الاحتلال الاقتصادي من خلال الاقتصار على استيراد السلع الاستهلاكية الإيرانية وحسب.

وبينما قدمت طهران نفسها لشيعة العرب باعتبارها المنقذ الذى يتبنى قضاياهم ضد الاضطهاد والتهميش التاريخى الذى مارسه ضدهم أهل السنة، غابت الأنظمة العربية تماماً، واعتبرت الشيعة على كل أحوالهم عملاء وخونة، وأداة إيرانية ولم تفرق بين مكوناتهم.