رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جذور الخلاف بين «ابن حنبل» و«المعتزلة» حول قضية «خلق القرآن»

جريدة الدستور

ترعرع أحمد بن حنبل في بغداد إبان العصر العباسي، في أوج انتشار الفرق الدينية والجدليات الفكرية الفقهية وغيرها.

وانتهج ابن حنبل الدقة والاتباع ورفض القياس إلا في الضرورة وتجنب الرأي، وكانت له بعض المبررات أبرزها، سيطرة المعتزلة وكثرة الفرق والفتن دفعته للعودة إلى أصول الحديث والتثبت منها والتزام نهج القرآن.

وخاض ابن حنبل مع المأمون والمعتزلة محنته الشهيرة وهي قضية “خلق القرآن”، التي جرّت عليه السجن والتعذيب وسخط المأمون وخلفاء بني عباس من بعده.

يحكي «اليعقوبي» مشهد امتحان المعتصم لابن حنبل باعتباره أقرب مرجع تاريخي للواقعة، ويقول: «وامتحن المعتصم أحمد بن حنبل في خلق القرآن، فقال أحمد: أنا رجل علمت علما ولم أعلم فيه بهذا .. فضُرب عدة سياط». ولم يكن الامتناع هنا بشكل تحدي وصمود كما يصوره الحنابلة الآن، وإنما كان كما يقول الشيخ أبو زهرة في كتابه «تاريخ المذاهب» صفحة 147: «المتقريء لكلام الإمام أحمد يري أنه كان يتوقف أولاً، ثم جهر برأيه، فقد روي عنه أنه قال: من زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي، ومن زعم أنه غير مخلوق فهو مبتدع»!.

اليعقوبي نفسه ينقل أنه تراجع عن رأيه أمام المعتصم بعد مناظرته لإسحاق بقوله: "إني أقول بقول أمير المؤمنين في خلق القرآن".

جاء الواثق بعد المعتصم، ولم يتعرض لابن حنبل في شيء إلاَّ أنه قال له: «لا تجمعن إليك أحداً ولا تساكني في بلد أنا فيه». فأقام ابن حنبل مختفياً عدة أشهر حتى مات الواثق.

محنة الإمام أدت إلى تأجيج غضب العامة ونقمتهم، خاصة أن العباسيين وميولهم الفارسية لم يحظوا مطلقاً برضا العرب المسلمين.

ولكي يميز أتباع ابن حنبل أنفسهم كجماعة على الطريق الصحيح على الإسلام على خلاف العباسيين والمعتزلة أطلقوا على أنفسهم، كما في بعض الروايات التاريخية، اسم جماعة “السُنة”، أي بمعنى آخر أن هذا المصطلح أرّخ في الذاكرة الإسلامية للمرة الأولى في ذلك العصر، ليصير منذ ذلك الحين هذا التمييز الإسلامي بين من هم على منهج الرسول ومن هم على خلافه.