رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحل ليس في "الحل" (3)

جريدة الدستور

يوم أن حبست الجماعة الإسلامية أنفاسها.. اختبار القادة والقواعد بجنازة عمر عبدالرحمن
تفجيرات الكنيسة البطرسية.. ومسجد آدم مسجدنا ومش هنسيبه، لأعدائنا 
الوطن لا يغضب من أحد، يعاتب، يقسو أحيانا، ليحنو أحيانا أخرى

وهنا أود أن أنقل شهادة مهمة في هذا الصدد:

الشهادة الأولي: جنازة الشيخ عمر عبد الرحمن

وقد وافقت أعلى سلطة في مصر على استلام جثمان الشيخ الراحل من السلطات الأمريكية، وتسليمها لأسرته وهذا يعني تسليم جثمان الشيخ للجماعة والحزب وأركانها جميعا، على ما أذكر ليلة 22فبراير2016 ولم يكن أحد يعرف تحديدا موعد نزول الجثمان لأرض الوطن، وكان المعروف فقط موافقة السلطات على التسليم ـ بعد إعلان السلطات الأمريكية خبر الوفاةـ وتوصلنا في الجريدة من مصادر عليا أن الجثمان سيكون في طريقه لمطار القاهرة، وقد تم شحنه من أمريكا في العاشرة من مساء هذه الليلة وسيصل قرية البضائع خلال ساعات معدودة في حدود الساعة العاشرة صباح هذه اليوم. 

استخرجت التصريحات اللازمة للحضور، سواء مأمورية الجريدة وتصريح حقوق الإنسان، لحضور استلام الجثمان من منظمات المجتمع المدني.

وتواصلت مع مصادر في الحزب، فأكدوا لي عدم معرفتهم بتواقيت النزول، وكان توقيتنا صحيحا، وتحرك الحزب وقياداته وقواعده بكثير من المسئولية، ولم يحدث منذ استلام الجثمان حتى دفنه بمركز الجمالية بالدقهلية أي ما يعكر صفو الحدث الجلل، وأشهد أنه لم يعل صوت هتاف واحد من الذي كنا نسمعه في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الإسلامية في الثمانينيات من القرن الماضي، وأنا الذي حضرت للشيخ عمر كثيرا من الفاعليات في هذه الأثناء.

عمر يا عبد الرحمن
يا مزلزل عرش الطغيان
بلغ عنا في كل مكان
مصرهتحكم بالقرآن

خرجت الجنازة والتي كان يشرف عليها جميع الأجهزة التنفيذية وأشهد الله أنه لم يحدث أي خروج على الأمن والنظام العام طوال الطريق والطرق المجاورة.

بل وكان هناك حرص من قادة الجماعة وأفرادها وقواعدها عبر جميع المحافظات على احترام قواعد المرور وعلى الأمن العام، وكان ذلك رسالة في غاية الرقي والتحضر رغم خطورة الحدث وأهميته والدور الأمريكي في هذا الأمر.

وأذكر وهذا ثابت في مشهد خروج جثمان الراحل الشيخ عمر عبدالرحمن، أنه كان هناك تخوف من قبل بعض الصحفيين من عناصر الجماعة الإسلامية ورفضهم تصوير الجثمان في سيارة مؤسسة الغرباوي.

واتفقنا وجميع الصحفيين المتواجدين على أن أعترض السيارة وتصويرها لنعفي الجماعة من الطلب، ونعفي الأمن من الرفض ـ وقلت نريد أن نعمل يا سادة اسمحوا لنا بالتصوير، ووجدت طبعا أحد عناصر الجماعة يعنفني بشدة على هذا الموقف، ولا أعرف حتى الآن ما هو وجه اعتراضه ولماذا؟ قال لي: أنت أحرجتنا، الشيخ عمر ليس عملا بالنسبة لنا، لم أعلق عليه وتركته صامتا، فمغزي الأمر لا يعرفه أمثال هذا الأخ طبعا. 

وقد خرجت تغطية جريدتنا والحمد الله شهادة للتاريخ بعنوان "إنه الآن يُسأل " مصداقا لحديث النبي الكريم " اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ ".

الشهادة الثانية: تفجيرات الكنيسة البطرسية والجماعة وعين شمس

وهي عقب ديسمبر 2016 وبعد تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية في قاعة الصلاة أثناء قداس الأحد، الذي أدى لمقتل قرابة الخمسين شخصا وإصابة آخرين.

وقد تساءل البعض أين الجماعة الإسلامية، وحزبها ورغم أن الحزب سارع باستنكار الحدث إلا أننا في الدوائر الصحفية لا نقبل أيضا بمجرد الاستنكار، وخاصة في أماكن مثل منطقة عين شمس قد حدث بها صدام بين الجماعات والأقباط وشهدت كنيسة أحمد عصمت بعضًا منها عام 88 ووجهت وجهتي يوم الجمعة من الأسبوع نفسه، إلي معظم مساجد وكنائس منطقة عين شمس لنقل صدى الحادث للرأي العام. 

وصليت الجمعة في مسجد آدم، ذلك المسجد الذي كانت تهتف فيه الجماعة الإسلامية.

مسجد آدم مسجدنا ومش هنسيبه لأعدائنا بصوت حسام وأيمن خميس

ذلك المسجد الذي شهد انطلاق المواجهات الدامية بين النظام والجماعة عام 87 و88 بخطبة شهيرة من الراحل عزت السلموني " زكي بدر يقول لنا ويتوعدنا بأن له يوما مع الإرهاب، وأقولها: ولنا يوم مع الشرطة". 

وأثناء الصلاة وجدت كثيرا من عناصر الجماعة يصلون الجمعة في المسجد وصعد المنبر خطيب من الأوقاف والذي استنكر الحادث ودعا إلى وحدة وتمساك المجتمع المصري والعمل على زيادة الوعي أن التخريب يصب في مصالح الغرب وأمريكا.

ووجدت حالة هدوء كبيرة في المنطقة المحيطة بالمسجد والمساجد والكنائس المجاورة ورصدتها بعدساتي المتواضعة، وقلت يومها عين شمس تتعالى على الجراح في ألفة ووحدة وطنية رائعة وهدوء يمنع وقوع أي حوادث واعتداءات، وشاهدني يومها الشيخ محمد تيسير الرئيس الحالي لحزب البناء والتنمية الذي كان يصلي في الصف الأول بمسجد آدم، فرمي لي كلمة أنت جاي شغل ولا تصلي؟ قلت له حينها: كنت قريبا من المكان ودخلت للصلاة بالمسجد ولكني وجدته غير مقتنعا، وكنت أريد أن أقول يا مولانا هل يجوز لي أن اصطحب نيتين في عمل واحد ؟
والحق يقال أن جميع من شاهدتهم كانوا في حالة من الترقب والرفض لما حدث في الكنيسة البطرسية، رفض حقيقي وليس مصطنعا وشهادات الحال تغني عن المقال حينها. 

يبقي أن نقول إن مراجعة الجماعة لموقفها مع الإخوان، ومع الواقع الحالي حاضرا بشدة وقد ساقتني قدماي هذا الأسبوع إلى الأمانة العامة لحزب البناء والتنمية بالجيزة، فوجدت الباب مغلقا، واستغربت أليس هذا حزب سياسي معترف به؟ وألسنا في وقت الظهر ونحتاج أن يكون مثل هذا الحزب مفتوحا ليلا ونهارا، أطالع في مكتبته بعضا من الردود على التكفير، وبعض تجارب قادة الجماعة في الصراع مع السلطة، وأشاهد فيلما سنيمائيا يحكي تجارب وطنية لقادة عظام. 

فطرقت الجرس ففتح لي شاب ليس من الوجوه التي أعرفها وقلت له ألا يوجد أحد بالحزب؟ قال لي بطريقة شديدة حضرتك عاوز إيه ؟ 

أدركت أنه قد يتصور أشياء تدور في ذهنه ويذهب بعقله بعيدا، وعلى الفور قلت له أمين أبو المهدي موجود؟، قال لي: لا يوجد هنا، نزلت مسرعا من المكان، دارت في خلدي أحاديث كثيرة، وأنا أجر قدمي على السلم ولم أدر مفتاح المصعد، وسألت نفسي ماذا لو يريد شاب أن يطرق باب الحزب ويسأل عن شيء، ماذا لو يريد مجموعة من الشباب أن يديروا نقاشا حول أي حدث، ويناقشون من خاضوا تجارب عنف هل سيكون مصيرهم غلق الأبواب في وجوههم مثل ما قام به صاحبنا في وجهي. 

أتمني أن تصل رسالتي لكل من يهمه الأمر، الوطن لا يغضب من أحد ولا يثأر من أحد يقسو أحينا ليحنو أحيانًا أخرى، ومبادرة وقف العنف منجز فكري وطني ضحى من أجله الكثيرون، وحل الحزب لن يجدي نفعا مع أحد على الإطلاق، ننزل جميعا على جراحنا، ويعلم البعض كم في نفسي من الجراح من هذه الجماعة، ولكن الحق أحق أن يتبع، وكما علمنا الرسول الكريم " أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ"
شكرا لمن توافق معي وليعذرني من اختلف معي، فلَيْسَ الْمُخْبِرُ كَالْمُعَايِنِ.

تمت