رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلفية الجهادية .. حلم الخلافة بالتكفير والتفجير

جريدة الدستور

السلفية الجهادية تيار مسلح، خرج نتاج تحالف بين السلفية الوهابية، والجهاديين، الذين يرون أن الإخوان تخلوا عن حلم الخلافة وتحقيق أستاذية العالم من أجل مصالحهم الرأسمالية.

 ربما الآن، المصطلح هو الأكثر تداولاً فى وسائل الإعلام المحلية والعالمية، والأكثر انتشاراً فى أطروحات وأوراق المراكز البحثية، خاصة تلك المهتمة بالحركات الإسلامية المسلحة، بينما باتت أعتى الأجهزة الاستخباراتية العالمية لا تتردد فى إنشاء وحدات كاملة باسمه. استحوذت السلفية الجهادية على الأنظار الإعلامية والأمنية بمصر، خلال العامين الماضيين بشدة، مع تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية فى سيناء، التى تضاعفت مع الموجة الثانية للثورة المصرية، فى 30 يونيو، وما تلاها من عزل محمد مرسى، لتتحول بوابة مصر الشرقية مرتعاً آمناً لجماعات محسوبة عليها أو قريبة منها، كالقاعدة وغيرها من التنظيمات التكفيرية المسلحة. مصطلح السلفية الجهادية برز منذ نهاية الثمانينيات، مع صعود بعض جماعات الإسلام السياسى التى تتبنى الجهاد منهجاً للتغيير، وتعتبره وجوبيًا على كل مسلم، سواء ضد العدو المحتل، أو ضد النظم الحاكمة المبدلة للشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية أو تلك التى تبالغ فى القمع والبغى.

 وظاهرة السلفية الجهادية ليست تقليدية ومألوفة، إنما هى ظاهرة عذراء لم تمسها الدراسة كثيرًا، وهناك العديد من أطروحاتها عن الحاكمية والجهاد والولاء والبراء، يحتاج العالم إلى فهمها ويتوقف عندها قليلاً، لا سيما أن هذا التيار يرى أن العالم يعيش فى جاهلية مسلحة بأحدث نظم العلم والمعرفة، فى حين لا تتمتع أطروحاته بمصداقيه حتى عند المسلمين من أقران هذا التيار، زيادة على ذلك أنها منبوذة والبعض ينظر إليها على أنها أفكار مستحيلة التحقيق، أو متطرفة أو خارجية، أو باعثة على الفتنة، أو مشوهة لصورة الإسلام، ورغم ذلك تستمر فى تحديها دون أن تلتفت لما ينتظرها وكأنها باتت تؤمن بأنها المسؤولة الوحيدة عن حماية التوحيد فى زمن غدا فيه الإيمان والكفر والردة مسائل تتطلب حوارًا دوليًا. 

 و"السلفية الجهادية" هو مصطلح جديد يعبّر الآن مضمونه المترامى الأطراف عن إجمالى التيارات الجهادية التى غدت تؤمن بما تسميه الإسلام العالمى المقاتل، أما أتباع هذا التيار فيرون أن فى هذا الطرح يكمن فى مسعى السلفية الحثيث إلى انتزاع ركن "الجهاد" من المحتوى الأيديولوجى ذى النزعة القطرية والأبعاد السياسية المحدودة التى هيمنت عليه لعقود طويلة من الزمن وقدمته بصيغة "المقاومة" تارة وبصيغة "الجهاد الوطنى" تارة أخرى.  

ومصطلح "السلفية الجهادية" استقر فى وسائل الإعلام ليعبر عن تيار جهادى ذى صبغة عالمية، ولكنه فى عرف أصحاب التيار لا يكفى لبلوغ المعنى الدقيق له، فضلاً عن أن تسويقه ينطوى على حصر التيار فى أطر ضيقة، لا تتوافق أصلاً مع تاريخية النشأة، ولا مع الأهداف والطموحات المرجوة منه، إذ يقول الشيخ محمد المقدسى أحد أهم منظرى هذا التيار، فيما يتعلق بالتسمية وعلاقة المصطلح بالجماعات السلفية الأخرى والجهادية: أحب أن أنوه بأننا لم نتسم بهذا الاسم وإنما نعتنا به من الناس لتمسكنا بما كان عليه السلف الصالح من الاعتقاد والعمل والجهاد.  

يرجع الفضل فى ظهور هذا التيار للحرب الأفغانية التى كان لها الدور الاكبر فى ظهوره، حيث إن التقاء الشباب المهاجر للجهاد، والحركات الإسلامية على الساحة الأفغانية بصورة لم تكن مشهودة من قبل كان له أثر بارز فى عولمة التيار الجهادى وتوحد أهدافه وغاياته. وساهم المنظر الجهادى سيد إمام الشريف، صاحب كتاب الجامع، والعمدة فى إعداد العدة، وترشيد الفكر الجهادى، فى إدخال الفكر التكفيرى إلى معسكرات المهاجرين العرب لأفغانستان، بقوله: "اليوم انتهينا من تكفير الأعوان، وسنبدأ فى تكفير الإخوان"، وبكلامه انقسمت الحالة الجهادية، لتصبح لدينا سلفية جهادية تكفيرية، ليس فى مصر وحدها بل على مستوى أنحاء العالم.  

جغرافيًا فإن المستوى الأول الذى يتوزع فيه هذا التيار هو مناطق أفغانستان والتى تضم حركة طالبان، وقاعدة الجهاد، وباكستان والعراق والقوقاز والصومال. وفى المستوى الثانى تأتى منطقة العالم العربى والجزيرة العربية واليمن، أما المستوى الثالث فى بلاد شرق آسيا مثل: الفلبين وإندونيسيا وجزر المالديف ودول آسيا الوسطى. أما المستوى الرابع فتأتى لبنان وقطاع غزة وسوريا، "ولعل وضع سوريا فى هذا الموقع هو الأهم الآن بسبب الحرب الدائرة هناك، وظهور "داعش" وجبهة "النصرة". أما المستوى الخامس فهو الخلايا النائمة أو خلايا المبادرة الذاتية والتى تنشط فى أوقات دون أخرى ولا تربطها تنظيمات القاعدة أو الجهاد العالمى. وهناك نظريتان تحاولان تفسير أو بيان ماهية السلفية الجهادية، الأولى تعتقد أن أنها تنظيم عالمى وحيوى، يمتد على مساحة الكرة الأرضية ويضم العشرات من الخلايا النائمة فى شتى المجالات، تتلقى توجيهات عبر شبكات اتصالات ميدانية أو إلكترونية، فى حين ترى الأخرى أنها باتت مجرد فكرة تم تبنيها من قبل أفراد وجماعات تنشط بمبادرات ذاتية فى بعض الأوقات، وكلا النظريتين على مستوى واحد من المصداقية؛ ومن ثم لم يعد يتحدث أحد عن تنظيم متقوقع فى بقعة جغرافية معينة، بل هو شبكة مترامية الأطراف لم تعد مرتبطة بشخص بقدر ما هى مرتبطة بفكرة، ولم تعد ملكًا لأحد ولا تعد السيطرة عليها ممكنة، ولا يمكن التكهن بنهايتها. والسلفية الجهادية، تنتهج التحرك الثورى المسلح من أجل التغيير، بينما اعتزلت انتهاج مسارات التعليم والتربية والسياسة والديمقراطية الحديثة، باعتبار أن السلطات الحاكمة كافرة، وعميلة للخارج، ولن ينفع معها إصلاح، بينما يبقى من أبرز رموز السلفية الجهادية أسماء من شاكلة بن لادن، وأبو مصعب السورى، أبو قتادة الفلسطينى، وأبو حمزة المهاجر. المشكلة فى السلفية الجهادية أنها ترفض أى بناء لا يتوافق مع ما تؤمن به من عقيدة، بل إنها تسعى إلى هدمه وبنائه على أسس فكرها الذى يرفض كل المفاهيم الفكرية والثقافية والسياسية قاطبة، ويسعى لإحلال مفاهيمه التى تعتبر أنها شرعية. وأم المشاكل الفكرية للسلفية الجهادية، أنها ترفض تنزيل الأحكام على الوقع، وتتعامل معها مجردة دونما قياس على الزمن أو الظرف الآني، كما أنها توسع مفهومها عن الطاغوت، ليشمل إلى جانب غير الموحدين والمشركين والمبتدعين، الأنظمة الوضعية، التى تعمل لصالح النظام العالمى من وجهة نظرها.

 ولا يعتبر أتباع السلفية الجهادية، الأرض والحدود أمرًا مقدساً، بل هى كلها لله، وبالتالى فللمسلم على المسلم (ولو كان أعجميا) حق النصرة والمؤازرة والجهاد والشهادة من أجله، وكذا التضحية بالنفس والمال أينما كان موقعه. وبطبيعة الحال فالدولة فى نظر السلفية الجهادية، لا يشترط لها الأرض أو الشعب، بل شرطها دستور الحكم فقط، الذى هو المرجعية الشرعية والحاكمية الإلهية لا غيرها، معتبرة أن الحركات الإسلامية المناظرة، وقعت فى فخ الإسلام المحكوم بالنظام العالمى العلمانى باتفاقية "سايكس- بيكو"، التى تجاوزت فى نظر قادة السلفية الجهادية كونها اتفاقية سياسية قسمت بلاد المسلمين، لتصبح حالة ثقافية عامة مؤثرة. وترفض السلفية الجهادية مفهوم "الإسلام الوطنى" الخاص بكل دولة وشعب، بحسب الحدود والجغرافيا، وترفض أيضاً تحول الجهاد لفعل "مقاومة"، بمعنى آخر هى لا تعترف بشرعية الدولة، ولا حدودها، ولا قدسية ترابها، كما أنها لا تمنح من يقتل فى سبيل نصرة وطنه لقب شهيد، فلا شهيد إلا من انتصر للدين والحاكمية على طواغيت الوضعية والعلمانية.

 فى النهاية فإن المتابع للشأن السلفى؛ سيلاحظ أن السلفية الجهادية باتت تياراً فريداً على الساحة العالمية، فى كونها الجماعة المسلحة الأولى، كما باتت فى قلب المشهد المصرى الساخن، وهى قنبلة موقوتة، إذا ما انفجرت، ستحرق الأخضر واليابس، ولن ينفع ساعتها الندم.