رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقتلونا


ميادة أشرف بنت مصرية فى مقتبل العمر، يا دوب لسة متخرجة من الجامعة، لسة بشوكها.. ببراءتها.. بحماسها واندفاعها، بحلمها اللى كان عندى وعندك زمان .. يا ترى لسة فاكرة: الحلم القديم .. لما كنا لسه خضر بكل الطهارة بنحلم إننا رغم ضعفنا هنغير العالم، ميادة كانت لسه عايشة الحلم وفى الحلم: يمكن عشان لسة خضرة.. يمكن عشان جايه من ريف مصر ولسه عندها مخزون من هوا الزرع النضيف.. ويمكن عشان أبوها غلبان زى معظمنا.. ويمكن عشان بقت صحفية ولسة فاكرة زيى وزيك زمان: إن القلم أقوى من الرصاص.. وإن الرصاص أهون من السكات.

ميادة كانت بتحب مصر.. حب عملى مش «بوقاقى» عشان كده ماتت وهى بتشتغل، يمكن ليها رأى شخصى فى الأحداث، لكنها وقت ماتغدرت ماكنتش مع دول ولا دول، كانت بس بتؤدى دورها وبتمارس عملها بأمانة وشرف، فبأى ذنب قتلت ؟ هو الشغل ذنب؟ فى أى عرف وفى أى دين نقتل الأبرياء؟

يا قاتلى ميادة.. يا من تريدون قتل الحقيقة.. يا من تسعون لقصف الأقلام وإظلام الشاشات.. يا من تخشون من كل «طاقة» نور ستبدد أوهام وضلالات أنصاركم المختطفين والمغيبين، أعلنها لكم صريحة: ميادة ستعيش عمراً أطول من أعمار قاتليها، فلتقتلوا الجسد ألف مرة ومرة، ففى كل مرة ستنتقل الروح والفكرة لمليون جسد جديد، قتلتم «الحسينى» فلم تمت روحه أو فكرته، بل مشيت ميادة على خطاه تكمل طريقه، واليوم ستنبت وتزهر أرض مصر الطيبة من جديد مليون ميادة وميادة.

لم تغادرنا ميادة وحدها، رافقتها إلى رحمة الله «مارى» زهرة مصرية قطفتها فى غير أوان يد قاسية، مارى لم تدع الجمع لضلالة بعد هدى، ولم تفسد فى الأرض، كانت فقط تمارس أبسط حقوقها البشرية الإنسانية: أن تمشى بأمان فى شوارع بلادها، وأن تصل بأمان لمقر عملها، لم تعتد على أحد، لم تسئ إلى إنسان أو نبات أو جماد أو حجر، كل جريرتها أنها «علقت» صليباً فى سيارتها، فهل أصبحنا فى وطن غير الوطن؟ هل آوينا إلى فراشنا ليلة الخميس فى مصر لنستيقظ الجمعة فى أفريقيا الوسطى أو باكستان أو صربيا التسعينيات؟، هل أمسينا نقتل على الهوية؟ هل صار الدم الذى حرمه الله رخيصاً لهذا الحد؟ وإلا أخبرونى.. بأى ذنب قتلت ؟ هل لأنها قبطية.. ولأن منهم «كثيراً أو قليلاً» شارك فى 30 يونيو؟

إذن اقتلونا جميعا.. لأن معظمنا شارك.. فكونوا عدولاً واقتلونا، فكلنا اقترفنا الجرم نفسه، كلنا رفضنا الفشل وانعدام الكفاءة والإقصاء والتدنى: بدءا من الملبس ولغة الجسد، مروراً بلغة الخطاب، وانتهاءً بالفكر والسياسة!.

فلتقتلونا: لعلها تكون الحسنة الوحيدة التى تصنعون.

■ كاتب صحفى