رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا ينجح أعداؤنا بأيدينا؟


تذكرت ما سبق وأنا أستمع لبعض الزملاء الذين يتصلون بى ويسألوننى حول بعض ما تتعرض له مصر من تهديدات من قوى مجاورة تنتمى للأسف إلى أصول عربية، وتكاد أسئلتهم تطلب منى أن أدعو إلى المبادرة بضرب أهداف عربية تتجمع أو تنذر بالعدوان على مصر

يبدو أن البعض لا يدرك استراتيجية أعدائنا، والتى تتحقق بدرجة كبيرة بأيدى بعضنا، بل أيدى كثير منا، فالواقع أن استراتيجية أعدائنا متمثلين فى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تتجنب التورط فى صراع مسلح، أو الدخول فى حرب ضد أحد منا، بل ربما على المستوى العالمى إذ يمكن بمراقبة سير الأزمة الأوكرانية أن الولايات المتحدة تستبعد أن تستخدم القوات المسلحة الأمريكية فى الأزمة، وأن حلف شمال الأطلسى يحذو حذوها، بل إنى أستطيع أن أقول إنه قد اُعد نفسه مبكراً لذلك، ويكفى أن نتطلع إلى أسماء وصور وزراء دفاع حلف شمال الأطلسى لنكتشف أن نسبة عالية منهم من النساء، وهو ما يؤكد أن هذه الدول لا تنتوى الدخول فى معارك، وأن قواتهم ما وجدت إلا لتشارك فى أعمال صغيرة، وحيث يمكنها التأثير دون خسائر تذكر.

إذن كيف يكسب أعداؤنا معاركهم؟! هم يكسبونها وفقاً لاستراتيجيتهم أولاً وقبل كل شىء بإثارة الفتن بين خصومهم قبل العقوبات الاقتصادية، وبوسائل الحرب الإلكترونية وحرب المعلومات حيث يقومون بإعاقة أعمال الأجهزة الإلكترونية مثل اللاسلكى والرادار والتداخل على أجهزة الحاسبات، وكذا بالاغتيالات بأعمال المخابرات، وبالطائرات بدون طيار، وبالتخزين المسبق للمعدات، وأخيرا وعند الضرورة فقط باستخدام الحد الأدنى من القوات.

تذكرت ذلك وأنا ألقى نظرة على خريطة الوطن العربى واستعراض أحواله من الشرق من أقصى العراق إلى الغرب عند المحيط الأطلسى فى المغرب وموريتانيا، ومن الشمال عند الحدود السورية التركية إلى الجنوب فى جنوب السودان، لنرى أن بعضنا يقوم بتطبيق استراتيجية أعدائنا بدقة، بل إن أعداءنا لم يكونوا ليحلموا بتنفيذ استراتيجيتهم بأفضل من ذلك.

تذكرت ما سبق وأنا أستمع لبعض الزملاء الذين يتصلون بى ويسألوننى حول بعض ما تتعرض له مصر من تهديدات من قوى مجاورة تنتمى للأسف إلى أصول عربية، وتكاد أسئلتهم تطلب منى أن أدعو إلى المبادرة بضرب أهداف عربية تتجمع أو تنذر بالعدوان على مصر، فربما سبق أن كتبت عما تردد بحشد من الفلسطينيين فى قطاع غزة ينوى عبور الحدود المصرية وكيف كان البعض يطالبنى بأن أوصى بتوجيه ضربة إليهم فى تجمعاتهم وقبل أن يصلوا إلينا، وربما دفعتهم فى ذلك حماسة لوطنهم، أو شوفينية مصرية، أو حتى مبادئ الاستراتيجية العسكرية، وأذكر أننى رفضت الفكرة، وطالبت بضبط النفس وعدم الانسياق وراء دعوات الاستباق، أو ما يراه البعض بالحرب الوقائية، وكنت شبه متأكد من أن الشعب الفلسطينى لن يقوم بعمل ضد الشعب العربى، وأنه من الذكاء بحيث لا يدع فرصة لعدونا المشترك للعب على وتر خلافاتنا، والحمد لله أن الشعب الفلسطينى لم يخيب ظنى ولم ينسق وراء قيادات خرقاء تنسى أو تتناسى مصالح شعبها لتدخل فى مغامرات لا تنفع غير أعدائنا.

وفى الأسبوع الماضى استمعت إلى نغمة مشابهة نتيجة لبعض أخبار عن أن الجماعة الإرهابية إياها سعت إلى إنشاء ما تسميه «جيش مصر الحر» من بعض أفراد انتموا سابقا إلى قواتنا المسلحة، أو ينتمون إليها الآن، وذلك على نحو ما قاموا به بتشجيع من دول وعناصر معادية فى سوريا، الأمر الذى دفع إلى مشاركة عناصر إرهابية دولية فى الصراع هناك، مما زاد من تعقيد الموقف ونشر نوع من الفوضى؛ وأن هذه القوات تتدرب وتتجهز فى ليبيا تمهيداً للقيام بأعمال مشابهة لما قامت به فى سوريا الشقيقة، ومرة أخرى نجد ميلاً إلى أن نكون المبادرين وأن نضرب قواعد العدوان قبل أن يبدأوه.

مرة أخرى، أرفض الانسياق وراء دعوات المبادرة بمهاجمة عناصر معادية على أراض ليبية، وتذكرت كيف أنى عارضت ما قام به الرئيس السابق أنور السادات حينما بادر بالهجوم على ليبيا حينما اشتد الخلاف بينه وبين العقيد القذافى، وتذكرت كيف كانت لنا قوات مصرية فى غزة فى فترة سابقة وما زلت أفخر بخدمتى هناك، وكيف كانت هناك كتائب فلسطينية فى الدفاع على شواطئ قناة السويس، وكيف كانت هناك قوات سودانية انضمت إلى قواتنا أثناء حرب أكتوبر المجيدة، كما كانت هناك كتيبة مصرية تعيش فى السودان قبل استقلال السودان، وكثيراً ما تزوج ضباط تلك القوة من سودانيات، وكيف كانت لنا قوات فى ليبيا وكيف لبت ليبيا مطالب صر.

إن تاريخ العلاقات بيننا وبين شعوب الدول العربية المجاورة سواء فى الشرق أو الغرب أو الجنوب كافٍ لنعطى أنفسنا وأشقاءنا فرصة لتصحيح الأخطاء والمحافظة على هذه العلاقات، وعلى مصالحنا المشتركة، وألا ننساق وراء دعوات الاستباق والوقاية، وأن نعيد التفكير فى ما يتعلق بالقضايا الخلافية خاصة ما يتعلق بمعبر رفح والأوضاع الأمنية فى ليبيا والحدود مع السودان دون التهاون فى الحقوق والدفاع عنها «حتى لا ينجح أعداؤنا بأيدينا»!

■ خبير عسكرى استراتيجى