رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الواقع والقانون


أحقر لافتة انتخابية تتكلف 200 جنيه كتابة وقماشا وخشبا، ويتقاضى الشخص المكلف بتعليقها مبلغ 50 جنيها إن كان صديقا للمرشح أو واحدا من أفراد أسرته!! أحسب سيادتكم كم تتكلف بهذه الطريقة لافتات مرشح رئاسى فى 26 محافظة تضم عشرات الآلاف من المدن والقرى؟، واحسب حضرتك أيضا تكاليف الملصقات والبوسترات الأغلى بكثير من اللافتات القماشية الحقيرة، ثم احسب بعد هذا وذاك أجور أعضاء الحملة الانتخابية للمرشح فى كل محافظة من محافظات مصر.

ثم قل للجنة العليا للانتخابات إنه من المستحيل تحديد سقف مالى للدعاية الانتخابية للمرشحين، ومن المستحيل المتابعة أو الرقابة الحقيقية على مصروفات الانتخابات، ومن المستحيل كذلك عقاب أى مرشح يتخطى السقف الكوميدى الذى يحدده القانون الذى هو كوميدى أيضا!!

ثم إن السيد الذى يرأس الدولة الآن هو نفسه رئيس المحكمة الدستورية العليا.

فلماذا يسمح سيادته بكل هذا القدر من العشوائية فى قانون الانتخابات الرئاسية؟ لماذا يحرص على تحصين اللجنة العليا رغم أن هذا التحصين سوف يجلب علينا وجع دماغ أكثر من الطعون المفترض أو الممكن تقديمها ضد النتائج؟

لماذا لا يترك اللجنة تواجه الطعون القانونية فى المدة التى يحددها الدستور ثم يكون للقضاء وحده مهمة قبولها أو رفضها؟ لماذا نفتح الأبواب الواسعة أمام المشككين والمتوجسين ونسمح لهم بالزعم بتزوير الانتخابات من الآن؟

لماذا لا نسمح بالرقابة الدولية الكاملة لهذه الانتخابات وننقلها للعالم كله عبر وسائل الإعلام حتى لا يشكك فيها أحد؟ وإن كان السيد الرئيس المستشار يرى أن التحصين قانونى وجائز دستوريا فلماذا لا يشرح ذلك للناس ويواجه به المعترضين؟ وهل لدى الرئيس أو زملائه الدستوريين أو السادة أعضاء اللجنة العليا سبيل لمراقبة إنفاق كل مرشح رئاسى ثم عقابه أو استبعاده لو لم يلتزم؟

أزمة مصر هى الازدواجية الحمقاء، نحن لسنا دستوريين بما فيه الكفاية ورغم هذا نصر على الالتزام الحرفى بالدستور، ونحن لسنا قادرين على تطبيق صارم للقانون ورغم هذا نفرض على الناس المزيد من القوانين التى لا تتسق مع الواقع أو العرف أو طبيعة البلاد.

ونحن - حتى الآن - مالناش فى السياسة ولا فى الديمقراطية، ورغم هذا نتمسك بغطاء سياسى ديمقراطى زائف لشئون ليست من السياسة أو الديمقراطية فى شيء، ونحن نعرف كل عيوبنا وعاهاتنا ولكننا ننافق أنفسنا ونخدع الناس بكلام كاذب عن إجراءات نموذجية يستحيل تنفيذها فى بلد لا يعترف مواطنوه بقوانين المرور ولا يفهم معظم سكانه قواعد التسكع فى الطريق العام!

■ كاتب