رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا ندعم من تخلى عنا وقت الشدة!


الغالب أنه فى حال إجراء الاستفتاء فإن القرم سينضم إلى روسيا، وأن الغرب سيكتفى بتوقيع عقوبات هى بطبيعتها غير مؤثرة، كما أن أغلب الدول الأوروبية بما فيهم ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لن تلتزم بالعقوبات الاقتصادية بينما سيكون هناك رد على العقوبات غالبا ما سيمس المفاوضات مع إيران وتطبيق معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية وهى أمور أخطر من الوضع فى أوكرانيا

يعيش العالم لحظة حرجة فى تاريخه حيث تسود أجواء مشابهة لأجواء الحرب الباردة، فالتوتر القائم فى أوكرانيا يحمل احتمالا ولو ضعيفا بأن تتحول المواجهة إلى صراع مسلح يعلم الله وحده نتائجه فى حال حدوثه. والأزمة لا بد وأن تؤثر على الوطن العربى حيث إنها ليست بعيدة عنه سواء بالمعنى الجغرافى حيث لا تبتعد شبه جزيرة القرم عن شمال الوطن العربى كثيرا فيما يتعلق بالحدود الشمالية لكل من العراق وسوريا، ولا تبتعد بالمعنى السياسى، وهنا تشابه وليس تماثلاً بين ما يحدث فى أوكرانيا وما يحدث فى الوطن العربى، فالغرب ومنه الولايات المتحدة يدعمون الرئيس والحكومة الجديدة فى أوكرانيا رغم أنهم غير منتخبين، فى حين لا تعترف دول الاتحاد الأوروبى بالتغيرات التى حدثت فى مصر بحجة الحديث عن الشرعية، وبالرغم من أن ثورة الشعب المصرى ضد الرئيس المعزول كانت واضحة لكل من له عينان، بينما يختلف الوضع تماما فى أوكرانيا، وحينما يمثل المقال أمام القارئ يكون الاستفتاء على انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا يسير على قدم وساق.

الواقع أن هناك اختلافات واضحة أيضا بين الأزمة فى أوكرانيا والوطن العربى فالتباين بين سكان أوكرانيا كبير ويختلف عنه فى الوطن العربى، فسكان أوكرانيا يختلفون فى أصولهم حيث غالبية سكان المناطق الشرقية من أصول روسية ويتحدثون اللغة الروسية وهناك بعض التتار، بينما سكان المناطق الغربية من أصول الأوروبية «ألمانية، وبولندية وغيرها» وشبه جزيرة القرم لديها حكم ذاتى وهو لا وجود لما يشابهه فى الوطن العربى، وأوكرانيا تمثل وضعا شديد الخطورة على الأمن فى روسيا ونتذكر كيف دارت حروب لعشرات السنين بين روسيا ودول أخرى لتصل إلى المياه الدافئة وهى أساسا مياه البحر الأسود وبحر آزوف الذى هو جزء منه. ويعتبر ما جرى من امتداد حلف شمال الأطلسى شرقا ليصل إلى حدود روسيا استفزازا لروسيا وإخلالا بالاتفاقات الدولية، حيث تعهدت دول حلف شمال الأطلسى بعدم الامتداد شرقا ولكنها سرعان ما تخلت عن التزامها، كما تعمل الولايات المتحدة ودول حلف الأطلسى على إقامة نظام درع مضاد للصواريخ مخالفا بذلك اتفاق حول عدم إقامة نظم مضادة للصواريخ حتى لا تتصور دولة بأنها يمكن أن تكون فى مأمن من ضربات صواريخ الجانب الآخر. بالإضافة إلى ما سبق فإنه كان قد جرى اتفاق بين السلطة فى أوكرانيا متمثلة فى رئيس الجمهورية يانوكوفيتش وأحزاب المعارضة، وينص على اتفاق بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وقد وقع على الاتفاق بالإضافة إلى الطرفين الأوكرانيين وزراء خارجية ثلاث دول من حلف شمال الأطلسى هى دول ألمانيا وفرنسا وبولندا، إلا أنهم لم يلتزموا بالاتفاق وهاجموا الرئيس مما اضطره إلى اللجوء إلى شبه جزيرة القرم. الغرب يسعى إلى إقرار الوضع الجديد ويطالب روسيا بالموافقة بحجة الحفاظ على وحدة أوكرانيا وعدم استخدام القوة الروسية لدعم مطالب الشعب فى شبه جزيرة القرم، بينما تعتبر روسيا أن المشكلة هى مشكلة أوكرانية وحلها يتلخص فى تنفيذ اتفاق 21 فبراير السابق ذكره، ويبدو أن الغرب ليس مستعدا للموافقة على المبدأ الروسى، بينما سيكون إجراء الاستفتاء يوم 16 مارس نقطة تحول حيث اعتراف روسيا بنتيجة الاستفتاء تعنى عودة روسيا إلى المياه الدافئة وبذا يكون فلاديمير بوتين قد حقق ما لم يحققه بطرس الأكبر حينما وصل بالحدود الروسية إلى بحر البلطيق حيث إنه بحر متجمد فترة طويلة من العام.

لكن الاستفتاء يضع العالم لأول مرة أمام احتمالات كان قد تناساها فترة طويلة، حيث تقول تصريحات المسئولين الأمريكيين انه ما زالت هناك فرصة للحل الدبلوماسى، مما يثير سؤالا عما إذا كان هناك حل غير دبلوماسى فى حين أن هناك اتفاقا على أن الحل العسكرى غير وارد، فهل أصبح واردا؟ وإذا لم يكن واردا فما هو الحل؟

الغالب أنه فى حال إجراء الاستفتاء فإن القرم سينضم إلى روسيا، وأن الغرب سيكتفى بتوقيع عقوبات هى بطبيعتها غير مؤثرة، كما أن أغلب الدول الأوروبية بما فيهم ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لن تلتزم بالعقوبات الاقتصادية بينما سيكون هناك رد على العقوبات غالبا ما سيمس المفاوضات مع إيران وتطبيق معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية وهى أمور أخطر من الوضع فى أوكرانيا، ولا بد أن يؤثر على الخليج إذا أثر على المفاوضات مع إيران. ولو أن الموقف العربى لن يكون مؤثرا فى الأزمة لكن الأزمة غالبا ستؤثر على الدول العربية انعكاسا لمواقفها، وتجد دول عربية كثيرة أسبابا يجعلها لا تؤيد الموقف الغرب والأمريكى بصفة خاصة وخاصة موقف مصر حيث لا مبرر لخسارة التقارب مع روسيا لصالح الولايات المتحدة التى تخلت عنها عند الشدة.

■ خبير سياسى واستراتيجى