رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثلاث قمم فى يوم واحد!

العاصمة البلجيكية بروكسل، استضافت، أمس، ثلاث قمم خاصة بالأزمة الأوكرانية، عقدها حلف شمال الأطلسى، الناتو، والاتحاد الأوروبى ومجموعة الدول السبع الصناعية. وكلها تهدف إلى فرض عقوبات جديدة على روسيا، وبلورة خطط وسياسات، للتعامل مع هذه المرحلة الجديدة من الصراع بين الكتلة الغربية، بجناحيها الأمريكى والأوروبى، والكتلة الشرقية، التى قد تتسع لتضم دولًا أخرى أبرزها الصين والهند.

مع تصاعد انتقادات الخارجية الروسية للمفاوضين الأوكرانيين ووصفها لهم بأنهم «لا يمثلون أوكرانيا ويتلقون الأوامر من واشنطن»، شارك الرئيس الأمريكى جو بايدن، فى القمم الثلاث. وألقى الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، عبر الفيديو، كلمة فى قمتى الناتو والاتحاد الأوروبى. وخلال مكالمة تليفونية بحث أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، مع ينس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف شمال الأطلسى، تعزيز قدرة الردع والدفاع الخاصة بالناتو، والجهود الجارية لتحصين الجناح الشرقى للتحالف العسكرى الغربى.

الحلف، الذى يضم ٣٠ دولة، بصدد تغيير وضعيته الأمنية فى أوروبا بشكل جذرى فى المستقبل، حسب أمينه العام، الذى أوضح، فى مؤتمر صحفى، عقده الأربعاء، أن قادة الحلف سيقررون فى قمتهم تعزيز الموقف الدفاعى بأربع مجموعات قتالية جديدة فى بلغاريا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا، ليرتفع بذلك عدد مجموعات القتال المنتشرة إلى ٨ مجموعات من البلطيق إلى البحر الأسود. وشدد ستولتنبرج على أن «الناتو» لن يتسامح مع أى هجوم يستهدف سيادة الدول الأعضاء وسلامتها. وفى تحذير مباشر للصين، اتهم الأمين العام للحلف بكين بأنها دعمت روسيا سياسيًا، وأسهمت فى التضليل الإعلامى ونشر الأكاذيب، معربًا عن أمله فى أن يطلب قادة الحلف من الصين عدم تقديم الدعم المادى لموسكو، وأن تتحمل مسئولياتها!. 

فى يوم واحد، إذن، اجتمعت الدول التى تمثل أكثر من نصف الناتج المحلى الإجمالى العالمى. وربما كانت النتيجة الوحيدة الملموسة، هى تراجع المجتمعين عن اقتراح، كان قيد الدرس، بطرد روسيا من مجموعة العشرين؛ وإن كان من المحتمل ألا يشاركوا فى قمة المجموعة المقبلة، المقرر عقدها فى إندونيسيا، بداية أكتوبر المقبل، بعد أن أعلنت السفيرة الروسية فى جاكارتا، الأربعاء، عن اعتزام بوتين حضورها.

بالتشاور مع الأطراف، التى تحاول القيام بالوساطة بين روسيا وأوكرانيا، تسعى فرنسا، التى ترأس الاتحاد الأوروبى حتى نهاية يونيو المقبل، للتوصل إلى مخرج أو حل سياسى للأزمة. وعلى الجانب الآخر، كرر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين التأكيد على شروط بلاده لوقف العملية العسكرية فى أوكرانيا، وشدد خلال مكالمة تليفونية مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، وأخرى مع المستشار الألمانى أولاف شولتس، الأربعاء، على التمسك بـ«المواقف المبدئية لبلاده فى إطار المفاوضات».كما حذر الكرملين من الاستجابة لدعوات أطلقتها دول غربية، على رأسها بولندا، لإرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا. 

كان سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، قد وجّه تحذيرًا مماثلًا، ووصف الدعوة البولندية بأنها «غوغائية»، مشيرًا إلى أن اتخاذ حلف الأطلسى قرارًا من هذا النوع قد يؤدى إلى صدام مباشر بين روسيا والناتو. وفى السياق نفسه، قال دميترى بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، إن «هذه الخطوة ستكون متهورة وخطيرة»، مشيرًا إلى أن بلاده «تنفذ عملية عسكرية خاصة فى هذه المنطقة، وأى احتكاك محتمل مع قوات الناتو يمكن أن يؤدى إلى عواقب واضحة، ويصعب إصلاحها». وقلل بيسكوف من أهمية التقارير الغربية التى تحدثت عن تعثر العملية العسكرية الروسية واصطدامها بمقاومة حوّلت مسار القتال، وقال إن «العملية العسكرية فى أوكرانيا تتواصل وفق الخطط والأهداف الموضوعة».

.. أخيرًا، ومع تسليمنا بأنه لا يوجد أى احتمالات للتدخل العسكرى الغربى فى أوكرانيا، ستكون واهمًا لو اعتقدت أن الهدف من القمم الثلاث هو التوصل إلى حل سياسى، أو اتفاق للتهدئة أو وقف التصعيد، أو حتى إحداث أى تغيير فى إيقاع الأزمة ومساراتها، بل الأرجح هو أن الغرب يراهن على إطالة أمدها، لإنهاك روسيا واستنزافها عسكريًا واقتصاديًا، مع استمرار خلط الأوراق على الساحتين الأوروبية والدولية، لإثبات أن الولايات المتحدة ما زالت هى القوة العظمى الوحيدة الفاعلة فى الوقت الراهن.