رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مارى أنطوانيت ونقيب الفلاحين!

مع مطالبتها الحكومة بإصدار القرارات اللازمة لمنع التجار من شراء القمح وتخزينه لتعطيش السوق.. وبالإضافة إلى مناشدتها مزارعى القمح بتوريد أكبر كمية ممكنة للمساهمة فى التغلب على الآثار السلبية للأزمة الأوكرانية، طالبت نقابة الفلاحين، أيضًا، باتخاذ إجراءات صارمة للحد من ظاهرة شوى القمح الأخضر وتحويله إلى فريك، حتى لا تتأثر الإنتاجية المتوقعة. 

استيضاحًا للنقطة الأخيرة، أو المطلب الأخير، أجرت زميلتنا إنجى أنور، العائدة بتألق بعد طول غياب، مداخلة مع حسين أبوصدام، نقيب الفلاحين، فى برنامجها «مصر جديدة» على قناة ETC، قال خلالها الرجل كلامًا مهمًا، من بينه أننا قد لا نضطر إلى الاستيراد لو استمر التوسع الأفقى والرأسى فى زراعة القمح. غير أن صحفًا ومواقع إلكترونية، بحسن أو بسوء نية، لم يستوقفها غير نصيحة الرجل للمواطنين بحشو البط والحمام بالأرز بدلًا من الفريك. وعليه، بدا أبوصدام كما لو كان النسخة المحلية من مارى أنطوانيت، زوجة الملك لويس السادس عشر، التى صارت أشهر «نجوم» الثورة الفرنسية، لأن هناك من زعموا، على غير الحقيقة، أنها حين عرفت بأن الشعب ثار لأنه لا يجد الخبز، تساءلت بدهشة: ولماذا لا يأكلون «الجاتوه»؟!. 

حتى نتمكن من تجاوز الأزمة، طالب أبوصدام كل الفلاحين، وكل المهتمين بالأمن الغذائى، بأن يقفوا «جنب البلد»، وبألا يفرطوا فى حبة قمح واحدة. وطمأننا بأن إنتاج هذا العام قد يصل إلى ١٠.٥ مليون طن بمتوسط ٣ أطنان للفدان، بعد أن وفرت الحكومة بذورًا ذات إنتاجية عالية. وتوقع أن يقوم المزارعون بتسليم ٥.٥ مليون طن، بزيادة ٢ مليون طن على الموسم السابق. وأوضح أن وصول سعر إردب القمح، بعد إضافة حافز التوريد، إلى ٩٠٠ جنيه، سيشجع على زيادة المساحات المزروعة منه فى الموسم المقبل، و... و... وبعيدًا عن استخفاف البعض بما قاله عن الفريك، إلا أن الموضوع شديد الأهمية، وانتبهت له دول عديدة منذ سنوات. 

مثلًا، حذّرت مصلحة تنظيم الإنتاج التابعة لـ«مديرية الفلاحة» الجزائرية، فى ١٢ يونيو ٢٠١٧، من خطورة التوسع فى إنتاج الفريك على إنتاج الدقيق المستخرج من القمح اللين المحصود. وسبب ذلك، هو أن إنتاج «الفريك» يتم بحرق القمح الأخضر، غير كامل النضج. ما يجعل الفدان، الذى ينتج ١٨ إلى ٢٠ إردبًا من القمح، لا ينتج غير نصف الكمية فقط من الفريك، مع إهدار التبن، الذى تتغذى عليه الحيوانات.

كان إنتاج الفريك مقتصرًا على الاستهلاك المنزلى فقط، سواء فى مصر أو الجزائر، لكن بمرور الوقت توسع بعض المزارعين فى إنتاجه، وأصبحت له سوق واسعة، دفعت قرى بالكامل إلى تحويل كل مساحاتها المزروعة من القمح إلى فريك. وهناك شركات تقوم بتصديره إلى الدول العربية والأوروبية. غير أن ذلك لم يعد متاحًا، منذ ١٢ مارس الجارى، ولمدة ثلاثة أشهر، بموجب قرار أصدرته نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة.

الموضوع أكبر مما قد تتخيل. وبينما نحن نتجول، أو نـ«جوجل»، وجدنا أن زميلنا محمود مقبول «اخترق المزارع الخاصة بالفريك»، فى ١٨ أبريل ٢٠٢٠ والتقى ثروت رمضان الذى وصفه بأنه «أحد أهم المزارعين لمحصول الفريك» بمحافظة سوهاج وتحديدًا بقرية إقصاص دائرة مركز المراغة، «وأنهى ثروت حديثه لليوم السابع بأن الإقبال على شراء الفريك يكون بمحافظات سوهاج وقنا والأقصر وأسوان، وتقبل عليه العائلات الكبيرة وتشتريه بكميات، نظرًا لوجود العديد من العزومات لديهم، ولأنهم لا يأكلون الطيور إلا وهى محشية، خاصة الحمام والبط والسمان والسمك، الذى يقوم بتسخين الجسم ويعد منشطًا جنسيًا قويًا»!.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الخبز، الذى أشعل الثورة الفرنسية، سنة ١٧٨٩، كان أيضًا بطلًا رئيسيًا فى الحرب الأهلية الأمريكية، «١٨٦١- ١٨٦٥»، وأدت وفرته فى الولايات الشمالية إلى تفوقها على ولايات الجنوب، فأطلق إبراهام لينكولن، الرئيس الأمريكى السادس عشر، عبارته الشهيرة «الخبز يعنى الانتصار». ولأن الصيدلى الفرنسى أنطوان بارمنتير، كان يرى أن «صحة الأمم تقاس بجودة الدقيق»، نصح باستخدام المطاحن كأداة للحرب، واستقبل قادة الجيش نصيحته بكثير من الإعجاب.