رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى مواجهة مهمة شبه مستحيلة


كان من أهم ما يتعلق بتلك الأحاديث ما قاله الأستاذ هيكل عن أننا نعيشحالة ثورة وليس ثورة، حيث أذكر أننى ربما فى مارس أو فبراير 2011 قد قلت بأنى أعتقد أن ما حدث فى يناير 2011 كان حتى ذلك الوقت انفجاراً وليس ثورة، وقلت إن ما حدث له مبرراته أى أن الحال وصل بالجماهير إلى عدم القدرة على تحمل المزيد،

من أهم ما حدث فى الأسبوع الثانى من شهر فبراير 2014 صالون اشترك فيه الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، ودعا إليه الصديق عبد الله السناوى، بالإضافة إلى الحوار المنشور فى الأهرام اليومى اعتباراً من يوم الجمعة 14 فبراير ويستكمل يوم االسبت 15 من نفس الشهر، وينافس الأستاذ هيكل فى أهمية حديثه حديث المشير السيسى أثناء زيارته للاتحاد الروسى بصحبة كل من الوزير نبيل فهمى -وزير الخارجية- أمام فلاديمير بوتين -رئيس الاتحاد الروسى- ويجمع الحادثين والحديثين التعبير عن صعوبة الموقف فى مصر حيث تحدث الأستاذ هيكل فى صالون السناوى عن المهمة شبه المستحيلة، وإن حاول ان يفلسفها فى حواره مع الأهرام، وتحدث السيسى عن ضرورة أن يقف الجميع مع مصر فى مواجهة المشاكل الصعبة التى تواجهها.

قبل أن ندخل فى التفاصيل أقول بأنى أقدر الأستاذ هيكل تقديراً شديداً، ولكنى أختلف معه أحياناً واتفق أحياناً أخرى، وبالتالى فأنا أختلف معه فى بعض ما جاء فى الصالون أو الحوار، وهو اختلاف مع تقدير الرأى وصاحبه، أما حديث السيسى فهو حديث لمن يقدر صعوبة وثقل المهمة، ولكن مع تقدير ضرورة الاستجابة لدعوة الجماهير مع ما يحمله ذلك من مخاطر.

ربما كان من أهم ما يتعلق بتلك الأحاديث ما قاله الأستاذ هيكل عن أننا نعيش “ حالة ثورة “ وليس “ ثورة “، حيث أذكر أننى ربما فى مارس أو فبراير 2011 قد قلت بأنى أعتقد أن ما حدث فى يناير 2011 كان حتى ذلك الوقت انفجاراً وليس ثورة، وقلت إن ما حدث له مبرراته أى أن الحال وصل بالجماهير إلى عدم القدرة على تحمل المزيد، ولكنه لا يصل إلى مستوى الثورة حيث افتقر إلى وجود القيادة، والتنظيم، والبرنامج والفلسفة، وهو قريب مما جاء مؤخراً على لسان الأستاذ هيكل، لكنى لا أنسى أن الأستاذ الكبير قد وصف سابقاً ما حدث فى يناير أنه ثورة كاملة الأركان، ثم إنه يعود بعد سقوط مرسى إلى نفى أن ما حدث كان ثورة، وهو أخيراً يسحب وصف الثورة ليلبسها وصف «حالة الثورة». لا بأس من وجهة نظرى أن يعدل الأستاذ من توصيفه لكنى أعتقد أن العلاج يتوقف إلى حد كبير على تشخيص الحالة.

فى رأيى أن جزءاً مهماً من العلاج يتوقف على قدرتنا على الاعتراف بنقاط الضعف الموجودة، ومواجهة أنفسنا بأخطائنا بدلا من الاكتفاء بإلقاء المسئولية على الآخرين سواء كانوا خارجين أم داخلين وبالذات حسنى مبارك، فالله يعلم مدى خلافى معه، لكنى لا أرى فائدة من إلقاء المزيد على مسئوليته، والأستاذ هيكل يتحدث عن أن أجيال الشباب ... يطلبون حلما لم يتحقق بعد ولكنهم يطلبون بمثالية تصل إلى حد العدمية، وفى رأيى أن عجز الشباب عن الانتظام فى منظمات وتصور برنامج ولو فى صورته الأولية والتشرذم إلى حد تشكيل آلاف الائتلافات جرياً وراء الزعامات، وهو ما ينفى عنهم صفة المثالية. ويستمر الأستاذ هيكل فيتحدث عن الضغوط التى لها ثقل الزلازل والتى «ترج وتهز وتكسر وتؤجج التناقضات الداخلية حتى إن وصلت إلى حد الحرب الأهلية». ويتجاهل الأستاذ هيكل الضغوط التى تعرضت لها مصر قبل ذلك وكيف أن وعى شعبها شبابها وكهولها مكنها حينئذ من مواجهة التحديات. ويتجاهل الأستاذ هيكل ما حدث أثناء «حالة الثورة»، حينما استغل البعض الحالة، وتعدى على الأرض الزراعية، ولم يتنبه لها الثوار أو ينبهوا عنها، وكيف تولى بعض «الثوار» بناء أبراج غير مطابقة للمواصفات على عجل وقاموا ببيعها لتضيع آثار الجريمة، ونحن فى انتظار سقوط هذه الأبراج على من اشتراها وسكن فيها، وكيف استغل بعض الشباب الظروف للتجارة غير المشروعة، وأنه حتى الآن فإن البعض يحتل وسط القاهرة مخالفاً النظام العام، وأن انعدام الخوف أدى إلى تحدى النظام بدلاً من مساندته.إذا عدت إلى المشير السيسى وكلمته أمام بوتين فهى تشير إلى أن مصر والإقليم تواجه مخاطر ومشاكل كبيرة تتطلب من الجميع التكاتف لمواجهتها، وأكاد أقول إنى أشفقت عليه وأنا أستمع للحديث، ولاشك أن الموقف صعب، وأن صعوبته الرئيسية فى الاعتراف بأننا أساس المشكلة، وأننا ما لم ننتظم ونعمل فإن أحداً لا يستطيع أن يحل مشاكلنا ولن نستطيع أن نستمر حتى فى الحياة، لذا فإن على السيسى أن يبدأ بمواجهة الشعب بالحقيقة، وبأنه ليست لديه عصا سحرية، وبأن علينا جميعاً أن نعمل، وأن نتحمل حتى نخرج من الأزمة! وأن هذا شرط لقبوله بالمسؤولية!

■ خبير سياسى واستراتيجى