رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أميرة الديب تكتب: إيكيغاى.. الحياة المتوازنة على الطريقة اليابانية

أميرة الديب
أميرة الديب

كم مرة ذهبت إلى العمل وأنت تفكر فى الاستقالة على الرغم من العائد المادى والاجتماعى الذى تجنيه من تلك الوظيفة؟ كم مرة قلت إنك لا تجد شغفك فيما تفعله؟ كم مرة سمعت أحدهم ينصح الحاضرين فى إحدى محاضرات التنمية البشرية قائلًا «اتبع شغفك» وفكرت مليًا أين هو شغفك وما الذى تحب عمله ويجعلك تستيقظ باكرًا من أجله؟

إذا كنت قد مررت بتلك التجربة من قبل فأنت إذن تعانى من اضطراب فى نظام إيكيغاى، أو الفلسفة اليابانية الشهيرة التى تعنى «قيمة الحياة»، وهى تمثل نموذجًا ينتج من تقاطع ٤ محاور رئيسية هى إجابات الأسئلة التالية:

ماذا تحب؟ ماذا تجيد؟ ما الذى يحتاجه العالم؟ ما الذى يمكنك أن تتكسب منه؟

تقاطع تلك المحاور الأربعة يؤدى إلى المزيد من الأمور التى يجب الانتباه لها للمحافظة على حياة متزنة.

عندما تتقاطع الأشياء التى تحب عملها مع المهارات التى تجيدها ينتج الشغف، وعندما تتقاطع المهارات التى تجيدها مع سبل التكسب من تلك المهارات ينتج الاحتراف، وعندما تتقاطع المهارات التى يمكنك التكسب منها مع ما يحتاجه العالم تنتج الوظيفة، وعندما تتقاطع الوظيفة مع ما تحب عمله تنتج رسالة الإنسان فى الحياة.

الحفاظ على حياة متوازنة بين كل نقاط التقاطع حيث تتلاقى «الوظيفة والشغف والاحتراف والرسالة» هو الطريق للحياة المتوازنة.

لماذا يجب التقاء وتقاطع المحاور الأربعة كلها سويًا وليس بعضها فقط؟ تخيل أنك تذهب إلى الوظيفة التى تحبها والتى تمتلك المهارات اللازمة لأدائها ولكنك لا تجنى العائد المادى المناسب منها كيف ستشعر وقتها؟ حتمًا لن تشعر بالتوازن فى حياتك لأن هناك العديد من احتياجاتك لا تتم تلبيتها لضعف العائد المادى، لذا ينصح الخبراء دائمًا بعدم الاستكانة إلى وظيفة واحدة ثابتة والبحث باستمرار عن الفرص الأفضل أو على الأقل تعدد مصادر الدخل.

كذلك دعنا نفكر ماذا سيحدث لو التقت الوظيفة التى تحب عملها والتى تجيدها مع الدخل المادى المناسب ولكن لا تشعر بقيمة ما تفعله ودوره فى المجتمع؟ هنا ستشعر بحالة من فقد الشعور بقيمة الحياة على الرغم من أنك تفعل ما تحب وما تجيد وتجنى منه ما يكفيك. 

ومن ناحية أخرى تخيل أنك تفعل ما تحبه وما يحتاجه العالم وما يحقق لك الاكتفاء المادى؟ هل ستشعر وقتها بالسعادة؟ فى البداية نعم ستشعر بالراحة ولكن سينتابك من وقت إلى آخر شعور بالشك فى قدراتك لأنك أهملت محورًا مهمًا وهو الإجادة وتنمية مهاراتك وتحديثها وارتكنت إلى ما تملكه فقط من معرفة أولية دون تطويرها.

وأخيرًا تصور أنك التحقت بوظيفة مهمة ذات بريق اجتماعى فى مجال ما هى ليست وظيفة أحلامك، ولكن تم تدريبك جيدًا على أدائها وأتقنت ذلك الأداء وحققت نجاحًا وظيفيًا كبيرًا فيها هل ستشعر بالسعادة؟ الحقيقة أنه سينتابك من وقت إلى آخر الشعور بعدم السعادة وفقدان الشغف، لذا كانت دائمًا تظهر أهمية النصيحة الخالدة «إذا لم تستطع أن تفعل ما تحب فعليك أن تحب ما تفعل».

وأخيرًا، وبعد أن تنتهى من قراءة هذا المقال أخرج ورقة وقلمًا وابدأ فى رسم الإيكيغاى الخاص بك. فكر واكتب ما الذى تحب عمله، وما الذى تجيد عمله وما الذى يمكنك التكسب منه بما يكفيك، وأخيرًا ما الذى تشعر أنك ستضيفه إلى هذا العالم لو قمت بعمله. عندما تنتهى من رسم تلك التقاطعات بين إجابات الأسئلة الأربعة ستدرك جيدًا ما القرارات التى يجب أن تتخذها فورًا وبلا تردد وستجد طريقك بسهولة إلى حياة متوازنة وسعيدة على الطريقة اليابانية.