رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روسيا أوكرانيا حرب صغيرة أم كبيرة؟

 

ألقيت نظرة على عدد من الصحف الروسية الصادرة صباح الجمعة ٢٥ فبراير الحالى ومنها «كوميرسانت»، و«إزفستيا» وغيرهما، ووجدت أن معظمها يشير إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا على أنها «عملية عسكرية فى أوكرانيا». وقد يكون ذلك الوصف دقيقًا إذا وضعنا فى اعتبارنا ميزان القوى القائم لصالح روسيا. لكن الحرب تبقى حربًا مهما تغطت بكلمات أخرى.

وقد أشعلت الأحداث فى ذاكرة ابنتى «هانيا»- وهى من أم روسية- ذكريات طفولتها حين كانت تعيش فى روسيا، فكتبت على صفحتها فى فيسبوك تقول: «صدمنى خبر الحرب. زلزلنى، ذلك أن جدتى أولجا كانت أوكرانية، بينما جدى ساشا روسى، أحبا بعضهما البعض وعاشا حياة طويلة فى محبة إلى أن توفيا، مثلهما مثل الكثير من العائلات الروسية الأوكرانية، الآن، وياللأسف أصبح كل ذلك فى الماضى الذى لن يعود أبدًا. إننى اليوم أصلى من أجل السلام، من أجل الأوكرانيين والروس معًا، أصلى وأتذكر جدتى أولجا وجدى، وأقول لهما إنهما فى قلبى ومعى دائمًا». 

لا يمكن لأحد أن يؤيد الحرب، فهى بكل المعايير حدث بغيض، لكن كراهة الحروب لا تعنى أن ينعدم التمييز بين حروب عادلة، وأخرى عدوانية. كانت حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ حربنا العادلة التى تعين علينا خوضها، كما كانت وستظل حرب الشعب الفيتنامى، والفلسطينى، لتحرير أرضه حربًا عادلة. أما شعار: «نحن ضد كل الحروب» فإنه يعنى مساواة ما هو «عدوانى» بما هو «عادل» وضرورى. 

من ناحية أخرى لا ينبغى أن تسوقنا الآلة الإعلامية الغربية إلى موقفها مما يجرى، ذلك أن أقل عطسة فى أوروبا كفيلة بأن تمسى حدثًا دوليًا، بينما تتواصل الحرب على الشعب اليمنى للعام السابع ويقتل أطفاله يوميًا، كما تم تدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن، وجرى تقسيم السودان وتهجير الملايين من دون ذلك الغضب العالمى الذى لا تحركه مبادئ قدر ما تحركه المصالح. جدير بالذكر أيضًا أن هناك خلطًا بين الدعوة لوقف الحرب، وبين النظر فى أسبابها الحقيقية، ذلك أن أوكرانيا دولة صغيرة على حدود روسيا مباشرة، ولا أقول إنه كان عليها أن تراعى العلاقة مع روسيا أخذًا بتاريخ عريق مشترك لغويًا وثقافيًا وعرقيًا، لكن كان على أوكرانيا بالحتم أن تنتهج سياسة الحياد بين روسيا وحلف الناتو، فلا تطلب الانضمام للحلف ولا تعمل على تحويل أرضها الملاصقة لروسيا إلى منصة صواريخ للحلف، وإذا كانت أمريكا فى أكتوبر ١٩٦٢ اعتبرت أن وجود صواريخ فى كوبا التى تبعد عنها تسعين ميلًا تهديد لأمريكا فإن من حق روسيا وهى ترى صواريخ على عتبة دارها أن تعتبر ذلك تهديدًا مباشرًا لها.

من الضرورى أيضًا إدراك أنه لا يمكن للسلام أن يستتب فى أوروبا بإخراج روسيا من أى معادلة سياسية، أو من دون مراعاة مصالح روسيا، حتى عندما تمسى تلك المصالح رأسمالية تنافس النظم الرأسمالية الأخرى ولا تحاربها. أخيرًا يتبقى ما يقال من أن هذه الحرب هى إعلان عن انتهاء العالم أحادى القطبية، وأظن أن المشكلة ليست فى أحادية أو تعددية الأقطاب، بل فى رأسمالية النظام العالمى إجمالًا، سواء تعددت أطرافها وتصارعت، أو قل عددها وتناغمت.

أخيرًا سنظل ندعو أن تتوقف هذه الحرب، سواء أكانت خاطفة أم طويلة، وأن يعم السلام، وأن تنشأ من جديد علاقات المحبة بين الشعبين، وأن ترفرف روح «أولجا» جدة ابنتى، و«ساشا» جدها فى شباب اليوم، وفى تفاصيل عصرنا وقصائده وعلمه، وأحلامه.