رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

موقف «أليكس صعب» الصعب

 

إلى واجهة الأحداث عادت قضية أليكس صعب، بعد أن زعمت السلطات الأمريكية أنه عمل «مخبرًا سريًا» لدى وكالتها لمكافحة المخدرات، دى آى إيه، سنة ٢٠١٨، وأنه قدم «معلومات حول الرشاوى التى دفعها والجرائم التى ارتكبها»، وقام بتسليم أكثر من ١٢ مليون دولار، حصل عليها من نشاطاته غير القانونية!

رجل الأعمال الكولومبى، اللبنانى الأصل، مسجون حاليًا فى الولايات المتحدة، على ذمة قائمة طويلة من الاتهامات، تصل عقوبتها، حال إدانته، إلى السجن لمدة ١٦٠ سنة، من بينها أنه استخدم شركات وهميّة لغسل ما يزيد على ٣٥٠ مليون دولار، وحقق أرباحًا تتجاوز المليار دولار من صفقات انتهكت العقوبات الأمريكية المفروضة على حكومة الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو. 

هذه الاتهامات، نفاها «صعب» خلال جلسة الاستماع، التى جرت قبل المحاكمة، يوم الأربعاء الماضى. كما سبق أن أكدت زوجته كاميلا فابرى، عارضة أزياء إيطالية سابقة، فى ٢٤ أكتوبر الماضى، خلال وقفة احتجاجية أمام مقر اعتقاله فى فلوريدا، أنه ليس سوى «معتقل سياسى فى قبضة الولايات المتحدة». وقرأت بيانًا تلقته منه يؤكد فيه أنه لم يقترف أى ذنب وسيواجه المحاكمة بكل اعتزاز، ولن يتعاون مع الولايات المتحدة.

فى مدينة بارانكيا، بارانكويلا أو بارانكيليا، الكولومبية، التى تدور فيها أحداث رواية جابريل جارسيا ماركيز الشهيرة «أحداث موت معلن»، وُلد «صعب»، فى ٢١ ديسمبر ١٩٧١، لأب لبنانى وأم فلسطينية اختارا له اسم «على»، قبل أن يقرر وهو فى الثمانية عشرة تغيير اسمه إلى «أليكس». ومن مصنع ملابس ورثه عن والده، توسعت أعماله وامتدت إلى فنزويلا الدولة الجارة لكولومبيا، و... و... وفى كتاب صدر عنه، ذكر خيراردو رييس، أن «صعب» قام بمهام لم يقم بها أى وزير فى حكومة مادورو: «إذا نقص الحليب فى فنزويلا، يتصلون بتليفون (صعب).. وإذا لم يكن هناك وقود، يتصلون به لتسوية الأمر».

المهم، هو أن أليكس صعب، كان يتنقل بين شرق العالم وغربه، بجواز سفر دبلوماسى فنزويلى، إلى أن ألقت سلطات «جمهورية الرأس الأخضر»، غرب إفريقيا، القبض عليه، فى يونيو ٢٠٢٠، حين هبطت طائرته هناك للتزود بالوقود، ثم قامت، فى أكتوبر الماضى، بتسليمه إلى الولايات المتحدة، وهو ما استنكره الرئيس الفنزويلى، ورد عليه بتعليق محادثات المكسيك التى كانت تجريها حكومته مع خصومه، الذين تصفهم الولايات المتحدة بـ«المعارضين»، بهدف التوصل إلى حل للأزمة السياسية، التى تصاعدت، وتصاعد معها توتر العلاقات الأمريكية الفنزويلية، منذ أن أعلن خوان جوايدو، الرئيس السابق للجمعية الوطنية «البرلمان»، فى يناير ٢٠١٩، عن عزل مادورو، وتنصيب نفسه رئيسًا لفنزويلا. 

بعيدًا عن قضية «صعب»، أو بالقرب منها، كانت الولايات المتحدة قد وجدت فى إعلان جوايدو فرصة لإسقاط خصمها الأكبر فى أمريكا اللاتينية، لو استبعدنا وقوفها خلفه، وأصدرت بيانًا أكدت فيه أن مادورو «رئيس غير شرعى»، وأن جوايدو يرأس «الهيئة الشرعية الوحيدة التى انتخبها الشعب الفنزويلى»، ولوحت بإمكانية التدخل العسكرى، غير أن روسيا أعلنت عن دعمها لـ«الرئيس الشرعى» واستنكرت «محاولة اغتصاب السلطة»، ووصفت أى تدخل أجنبى فى فنزويلا بأنه طريق مباشر إلى حمام الدم. 

مع الموقف الروسى الحاد والحاسم، قطع الجيش الفنزويلى «قول كل خطيب» بإعلان دعمه «الثابت» لمادورو ورفضه قيام خوان جوايدو بتنصيب نفسه رئيسًا، وتأكيد، الجنرال فلاديمير بادرينو لوبيز، وزير الدفاع أن «الجيش مهمته الدفاع عن الدستور، وضمان السيادة الوطنية، ولن يقبل رئيسًا نصّب نفسه خارج القانون، أو نصّبته جهات لها مصالح مشبوهة». وعليه، صار إسقاط مادورو شبه مستحيل، إلا بتدخل عسكرى لم، ولن، تجرؤ الولايات المتحدة على القيام به، فى وجود الدعم الروسى لمادورو وجيشه.

.. وتبقى الإشارة إلى أن ديفيد ريفكين، محامى أليكس صعب، لم ينكر أن موكله عقد اجتماعات مع وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية، لكنه أوضح، أو زعم، فى بيان، أن كل تلك الاجتماعات جرت بمعرفة ودعم كاملين من جمهورية فنزويلا، وأن الهدف الوحيد منها كان التأكيد على أنه لم يرتكب أىّ خطأ.