رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلهام محمد شاهين تكتب: ضرورة استنباط أحكام جديدة لتحقيق العدل والإنصاف

إلهام محمد شاهين
إلهام محمد شاهين

مصطلح قديم فى الشريعة الإسلامية، لكنه جديد على المجتمع المسلم عامة وفى مصر خاصة، حيث لا يتداوله إلا المتخصصون فى الفقه وأصوله، وعندما ظهرت مشكلات فى المجتمع الأسرى المسلم؛ نتيجة تداخل أموال الزوجين، وهو ما لا تحبذه الشريعة الإسلامية، كثرت المشكلات بين الزوجين وأفراد الأسرة والعائلة؛ ونتيجة لذلك دعا فضيلة الإمام الأكبر لإحياء العمل بحق الكد والسعاية من الشريعة عامة والفقه المالكى خاصة.

فى البداية فإنه لا بد أن نعرف أن الشريعة الإسلامية فى نظام ضبط العلاقات المالية بين أفراد الأسرة لا تعرف إلا نظامًا أحاديًا فقط، وهو نظام فصل الأموال، ذلك أن الأصل فى الشريعة الإسلامية هو استقلال الذمة المالية لكل فرد من أفراد الأسرة، وذلك حتى يتمتع كل فرد من أفراد الأسرة المسلمة بحريته وحقه فى التصرف فى أمواله دون وصاية أو تدخل من أحد، لكن يحدث فى أحيان كثيرة أن يسهم بعض أفراد الأسرة بجهدهما المالى والمعنوى فى سبيل الحفاظ على كيان الأسرة المادى، أو تنميته اقتصاديًا؛ فتختلط أموال أفرادها تبعًا لعاداتنا وتقاليدنا فى العقود والمعاملات، فقد تكون المساهمة من الزوجة أو الابن أو الأخ، ونجد أن كل شىء أصبح فى ملكية الزوج أو الأب أو الأخ الأكبر مثلًا.

وقد يرجع ذلك لاستخدام البعض سيف الحياء لدى الفرد المساهم بجهده أو ماله أو بهما معًا؛ مما يتسبب فى ذهاب حقه إلى غيره، وعدم قدرته على الاستقلال بذمته المالية، وقد حدث هذا فى الإسلام كثيرًا، لكن لم يكن هناك تشريع ينظمه ولا حكم يرجع إليه أحد؛ نظرًا لعدم مطالبة أحد بذلك، حتى جاءت السيدة حبيبة بنت زريق، التى كانت تعمل بالغزل والتطريز، وتعطى ما تنتجه لزوجها عمرو بن الحارث، الذى كان بدوره يبيعه بالأسواق، ويتاجر بالمال، وأصبحت لديهما ثروة كبيرة، ولم يكن لهما أولاد، وبعد وفاته وضع الورثة أيديهم على الثروة، لكن السيدة حبيبة لم تقبل بهذا، وطالبتهم بحقها فى الثروة، حيث إنها شريكة فى إنماء هذه الثروة، ورفض الورثة، فذهبت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، الذى حكم لها بنصف الثروة، مع الاحتفاظ بحقها الشرعى فى الميراث، وهو الربع فى النصف الثانى تتقاسم بحقها مع الورثة. 

وقد اعتبر فقهاء المالكية أن ما أقدم عليه خليفة المسلمين يُعَد سابقة يمكن القياس عليها فى استنباط حكم جديد يحقق العدل والإنصاف ضمن أحكام المواريث، وهو حق الكد والسعاية، وتضمنه فقه النوازل، حيث أفتى به كثير من الفقهاء، حيث قال بعض الفقهاء: إن المرأة إذا كانت تعمل- مثل النسيج والغزل ونحوهما- فإنها شريكة الرجل فيما استفاد من خدمتها أنصافًا بينهما، كما قال آخر: ومن زُوجت ووجدت عند زوجها بهائم ومكثت عنده أربعة أعوام ثم فارقها، فإنها تأخذ سعايتها فيما زادت من البهائم، بقول أهل المعرفة، وكل من الزوجين لهما أن يستفيدا بقدر عملهما إذا تشاركا فيه، وقد نبه بعض الفقهاء على أن ما تطوعت به الزوجة بنية المعاونة عن طيب نفس ودون طلب من الزوج لا يحق لها أن تطالبه بحقها فيه. 

هذا الأمر سبق وطرحه الأزهر الشريف فى مؤتمره لتجديد الفكر الدينى عام ٢٠١٩، حيث نص على أحقية المتسبب فى تنمية ثروة غيره فى التعويض عن دخله الذى اختلط بهذه الثروة لا فرق فى ذلك بين زوجة أو زوج أو ابن أو ابنة أو أخت أو أخ، فكل من له حق له أن يطالب به ويحصل عليه بعد ثبوته بالبينة أو الشهود أو بهما معًا، والأولى أن يصل الحق لصاحبه دون أن يطلبه، وأن نتخلص من حقوق العباد فى الدنيا قبل أن نلقى الله ونُطالب يومها برد الحقوق، حيث لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.