رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر فى بروكسل.. تصحيح مسار للعلاقات

 

حضر الرئيس السيسى القمة الإفريقية الأوروبية يومى ١٧ و١٨ فبراير الحالى فى بروكسل، والتى تعد القمة السادسة، وجاءت بعنوان «إفريقيا وأوروبا.. قارتان برؤية مشتركة حتى ٢٠٣٠».. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبى من أهم الشركاء الاقتصاديين للقارة الإفريقية فإن العلاقات بينهما غير متكافئة وعادلة، فهى لصالح أوروبا بشكل كبير، وكأن العلاقة بين محرك أساسى وآخر ترس يدور فى عمليات إنتاج هذا المحرك، فتستورد أوروبا من إفريقيا المواد الخام فى شكلها الأولى وتصدرها لها فى صورة منتجات باهظة الثمن.

الآن، ومع تغير التوازنات والتحالفات الإقليمية، وعودة مصر إلى إفريقيا من منطلق المصلحة المتبادلة وليس من منطلق السلطة الأبوية، وهذا ما أكسبها القدرة الآن لتتحدث بصوت القارة فى المحافل الدولية، وتنقل همومها إلى العالم فيما يتعلق بحقها فى عمليات التنمية ودمجها فى الاقتصاد العالمى عبر آليات واتفاقيات أكثر فاعلية لتحقيق رؤية ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة، وإتاحة الفرصة للاستفادة من مزاياها النسبية ومواردها النادرة، لتصبح أوروبا سوقًا كبيرة للمنتجات الإفريقية المصنعة، وأيضًا تصبح إفريقيا سوقًا كبيرة لأوروبا، ولكن على أن يتم ذلك بشكل متوازن فى إطار نقل الخبرات التى تحتاج إليها القارة البكر «إفريقيا»، أى جعل الأمر متعلقًا بين القارتين بتبادل المنافع، وهذا ما يمكن لمصر القيام به بالفعل برشاقة شديدة فى ظل تحقيق فوائض للغاز والكهرباء التى تحتاج إليها أوروبا فى ظل الضغط الروسى عليها.

مصر أيضًا تستعد لاستقبال النسخة الـ٢٧ من قمة الأمم المتحدة الخاصة بالمناخ، كما أنها تترأس «الكوميسا» بعد غياب ٢٠ عامًا، مما يتيح لها تحقيق مكاسب للقارة عمومًا بشكل أكثر ديناميكية، فمن الممكن أن تقدم لأوروبا صيغًا توافقية وعروضًا استثمارية فى مجال الزراعة، الذى ما زالت تحتاج إفريقيا فيه إلى كثير من الاستثمارات ونقل الخبرات والتكنولوجيا، وفى هذا السياق مصر أيضًا يمكن أن تشارك فى تنمية هذا القطاع الحيوى والمهم عبر المشاركة فى إنشاء البنية التحتية اللازمة، وبخاصة أن التغيرات المناخية تهدد خارطة العالم الزراعية، وهو ما يجعل الدول الإفريقية تسعى إلى المطالبة بضرورة وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها المتعلقة بتمويل قضايا المناخ، وبالطبع على رأس هذه الدول مصر، وقد طالبت ذلك بوضوح فى قمة إسكتلندا.

تعانى الاقتصادات الإفريقية من مشاكل بنيوية وهيكلية، وحتى تكون القارة قوية تحتاج إلى تصويب هذا المسار، وتقريب وجهات النظر والمصالح مع العالم الخارجى، وتمتلك مصر بالفعل فى هذا الصدد مجموعة من الآليات والأدوات التى تمكنها من توظيفها عبر منظومة كاملة قامت بها من خلال الدبلوماسية المصرية فى السبع سنوات الماضية، فنجد مثلًا علاقتها بفرنسا، وهى رئيس الاتحاد الأوروبى، وطيدة على أكثر من مستوى؛ فعلى المستوى السياسى تلاقت وجهات نظر الدولتين عبر حوارات ثنائية، حول عملية السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط، كما أخذت الدولتان مواقف متقاربة على مستوى عدد من القضايا الإقليمية.. أما على المستوى الاقتصادى ستكون أيضًا النتائج أكثر ارتباطًا عن ذى قبل، فتتسم بالديناميكية، حيث شهد التبادل التجارى والاستثمارات المشتركة زيادة خلال السنوات الأخيرة، ومثّلت فرنسا شريكًا اقتصاديًا مهمًا لمصر، فبلغ حجم الاستثمارات الفرنسية فى مصر أكثر من ٥ مليارات يورو، وبلغ حجم التبادل التجارى ٣ مليارات يورو.

وبالنظر إلى العلاقات الاقتصادية بين مصر وبلجيكا- وهى الدولة المستضيفة للقمة- سنجدها هى الأخرى فى زيادة ملحوظة، فوصل حجم الصادرات المصرية إلى بلجيكا ٤١١.٦ مليون دولار مقارنة بـ٢٣٤.٥ عام ٢٠٢٠، ذلك يعنى زيادة أكثر من ٧٥٪ فى عام واحد فقط، كما ارتفع حجم التبادل التجارى إلى ٢ مليار دولار، ودولة بلجيكا أيضًا ستلعب دورًا مهمًا فى خطط مصر الطموحة للتحول نحو مركز عالمى للتجارة واللوجستيات والطاقة من خلال ميناء «أنتويرب»، ويمكن القياس على هذه الأرقام العلاقة مع باقى دول أوروبا التى ازدادت هى الأخرى بشكل ملحوظ. 

كل ذلك يعد مؤشرًا على أن مخرجات هذه القمة ستأتى بخطوات جادة فيما تسعى إليه مصر من تحقيق مطالب الأفارقة وحقهم فى الاندماج فى الاقتصاد العالمى بصورة أكثر توازنًا.