رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة إفريقية أوروبية مختلفة

التحديات التى تواجه إفريقيا وأوروبا، ناقشها ٤٠ من قادة الدول الـ٥٥ الأعضاء فى الاتحاد الإفريقى، مع نظرائهم من الدول الـ٢٧ الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، بالعاصمة البلجيكية بروكسل، خلال اليومين الماضيين، واتخذوا خطوات جادة نحو تجديد، تطوير أو تعميق، الشراكة بين القارتين، تتناسب مع التطورات التى شهدتها الساحة الدولية، والتحركات المصرية، المصيرية، التى أسهمت فى تغيير آليات التعاون الدولى وإعادة ترتيب الأولويات الإفريقية.

كان الهدف الأساسى للدورة السادسة لـ«قمة الاتحاد الأوروبى - الاتحاد الإفريقى»، هو وضع رؤية مشتركة للقارتين، حتى سنة ٢٠٣٠، وإقامة تحالف إفريقى أوروبى طموح، يتطلع إلى المستقبل، ويساعد على إنشاء حيز للتضامن والأمن والازدهار والاستقرار. وسعيًا إلى تحقيق هذا الهدف، وضعت الدول الأوروبية مجموعة مشروعات تلبى التطلعات الإفريقية فى مجالات البنية التحتية والصحة والتنقل والأمن والتعليم. مع تعهدات بدعم الجهود الإفريقية فى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والأوبئة وتدهور البيئة، وإرساء الاستقرار.

على خلاف الشكل التقليدى، جرت مناقشات القمة فى سبع موائد مستديرة، تناولت تمويل النمو، والنظم الصحيّة وإنتاج اللقاحات وسياسات الإنعاش التى ستنتهجها بعد وباء كورونا المستجد، والتعليم والتدريب المهنى والهجرة والتنقل، والتكامل الاقتصادى، والسلام والأمن، و.... و.... وتغيُّر المناخ. وإلى جانب فرنسا، التى تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبى، والسنغال، التى تقود الاتحاد الإفريقى، واصلت مصر استعادة دورها التاريخى، وأسهمت بدور فعال فى إعادة صياغة، أو تطوير، آليات الشراكة الإفريقية الأوروبية، التى صدرت وثيقتها التأسيسية، سنة ٢٠٠٠، فى القمة الأولى التى استضافتها القاهرة.

مع مباحثات القمة، التى أجراها مع ملك بلجيكا ورئيس وزرائها، وبعد لقائه رئيس المجلس الأوروبى ورئيسة المفوضية الأوروبية، التقى الرئيس عبدالفتاح السيسى، على هامش القمة، أيضًا، رؤساء السنغال ونيجيريا وكينيا وقبرص وتونس ورئيس المجلس الرئاسى الليبى، ورؤساء وزراء اليونان وإسبانيا وبلغاريا و.... و.... وكلهم أعربوا عن اعتزاز بلادهم بما يربطها بمصر من علاقات وثيقة، رسميًا وشعبيًا، وأشادوا بالطفرة التنموية الملموسة التى تشهدها، وثمّنوا الجهود المصرية، على الصعيدين الإقليمى والدولى، فى مكافحة الإرهاب وترسيخ الاستقرار ودعم الحلول السلمية والتسويات السياسية للأزمات الإفريقية والعربية. 

هذا عن الهامش، أما على مستوى المتن، فقد طرح الرئيس السيسى قضايا وموضوعات عديدة تهم الدول الإفريقية، وطالب بتعزيز الجهود الدولية لتيسير اندماجها فى الاقتصاد العالمى، وتقديم المساندة الفعالة لها فى سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ٢٠٣٠. كما شهدت المائدة المستديرة حول تغير المناخ، التى ترأسها، حوارًا مفتوحًا بشأن جهود تعزيز الشراكة بين القارتين فى مواجهة تلك الظاهرة، وجرى خلالها التوافق حول أهمية تكثيف العمل خلال الفترة المقبلة لبلورة رؤية مشتركة، وصولًا إلى قمة شرم الشيخ، فى نوفمبر المقبل، التى أكد الرئيس أن مصر ستسعى إلى الخروج بنتائج متوازنة وقابلة للتنفيذ، مشددًا على أهمية دعم القارة الإفريقية وسد الفجوة بين التمويل المتاح وحجم احتياجاتها، وكذا دعم التحول العادل للطاقة فيها.

فى هذا السياق، أشار الرئيس إلى أهمية «المبادرة الإفريقية للطاقة المُتجددة»، كإطار فعال لحشد الاستثمارات اللازمة لتنفيذ مشروعات برنامج تنمية البنية التحتية القارية. وهنا، تكون الإشارة مهمة إلى تلك المبادرة، المعروفة اختصارًا باسم «AREI»، حيث أطلقها الرئيس السيسى، خلال رئاسته لجنة دول وحكومات إفريقيا المعنية بتغير المناخ، خلال قمة باريس للتغير المناخى، سنة ٢٠١٥، وتحمل فرصًا عظيمة لإتاحة أنظمة جديدة وذكية لكل الدول الإفريقية الشقيقة وخلق تنمية متوازنة تراعى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

خطوة أخرى على الطريق نحو الشراكة المنشودة فى المجال الصحى، اتخذتها منظمة الصحة العالمية، وعالجت بها، جزئيًا، الخلاف الذى وقع بين القارتين بشأن إعفاءات براءات الاختراع الخاصة بإنتاج اللقاحات. إذ عقدت المنظمة، مؤتمرًا صحفيًا، شارك فيه الرئيس السيسى، أمس، للإعلان عن اختيار ست دول إفريقية، هى مصر، تونس، كينيا، نيجيريا، السنغال وجنوب إفريقيا، لإنتاج لقاحات خاصة بها بتقنية mRNA، التى أنتجت بها «فايزر بيونتيك» و«موديرنا» اللقاحات المضادة لكورونا المستجد، ويمكن استخدامها فى مواجهة الفيروسات والأمراض الأخرى. وما من شك فى أن اختيار مصر جاء استنادًا إلى بنيتها التحتية الطبية والتصنيعية القادرة على استيعاب هذه التكنولوجيا وتوظيفها بالشكل الملائم لضمان استمرار توافر اللقاحات داخل مصر، ولدعم الدول الإفريقية الشقيقة فى جهودها لتوفير اللقاحات لمواطنيها.

كعادتها، إذن، وكما فعلت فى كل الفعاليات الدولية، طوال السنوات السبع الماضية، تبنّت مصر، فى القمة السادسة للاتحادين الإفريقى والأوروبى، قضايا القارة السمراء، وقطعًا، ستظل كذلك حتى تتحقق الأهداف الطموحة لشعوب دول القارة. وبانتهاء أعمال القمة، باتت الكرة فى ملعب دول الاتحاد الأوروبى، التى ننتظر أن تفى بتعهداتها وأن تقوم بتنسيق أنشطتها الخارجية، إجمالًا، لمواكبة، أو مواجهة، تغيرات المشهد الدولى.