رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معادلة إفريقية أوروبية جديدة

تحت عنوان «إفريقيا وأوروبا: قارتان برؤية مشتركة حتى ٢٠٣٠»، تستضيف العاصمة البلجيكية بروكسل، غدًا الخميس، الدورة السادسة لـ«قمة الاتحاد الأوروبى- الاتحاد الإفريقى»، التى انطلقت أولى دوراتها من مصر، سنة ٢٠٠٠، وصدرت عنها وثيقة تأسيس آليات المشاركة بين الجانبين، حملت عنوان «خطة عمل القاهرة»، ونصت على عقد الدورات، أو القمم، التالية بالتناوب بين القارتين، كل ثلاث سنوات.

باستثناء القمة الثانية، التى استضافتها العاصمة البرتغالية لشبونة، بعد سبع سنوات، تحديدًا فى ديسمبر ٢٠٠٧، جرى عقد القمم الثلاث التالية فى موعدها تقريبًا، إذ استضافت العاصمة الليبية طرابلس القمة الثالثة، فى نوفمبر ٢٠١٠، ثم كانت القمة الرابعة من نصيب بروكسل فى أبريل ٢٠١٤. وإلى «خطة عمل القاهرة» أضيفت «وثيقة لشبونة للشراكة الاستراتيجية» و«إعلان طرابلس» أو «خطة العمل الثانية للاستراتيجية المشتركة»، ثم «خطة عمل ٢٠١٤-٢٠١٧»، وكلها كانت مجرد حبر على ورق.

فى أبيدجان، عاصمة كوت ديفوار، أقيمت القمة الخامسة، فى نوفمبر ٢٠١٧، التى اختلفت عن سابقاتها قليلًا، لكنها لم تغيّر معادلة العلاقات بين الطرفين، التى نتوقع أن تتغير خلال القمة السادسة، التى حال وباء «كورونا المستجد» دون عقدها فى موعدها، بعد التطورات الدراماتيكية التى شهدتها الساحة الدولية، والتحركات المصرية، طوال السنوات السبع الماضية، لتغيير آليات التعاون الدولى وإعادة ترتيب الأولويات الإفريقية.

بخصائص أقاليمها الخمسة الرئيسية، المتنوعة حضاريًا، ثقافيًا، واقتصاديًا، وبناتجها المحلى الإجمالى الذى يبلغ ٢.٢ تريليون دولار، وبعدد سكانها الذى يتجاوز ١.٢ مليار نسمة، يمكننا وصف القارة السمراء بأنها كنز المستقبل. كما يمكننا وصف مصر، بما قامت وتقوم به منذ منتصف ٢٠١٤، بأنها صارت مفتاح ذلك الكنز، وقلب القارة الصناعى الاقتصادى والتجارى، بالضبط، كما صارت مفتاح استقرار المنطقة، وصمام أمانها. 

القارة السمراء، كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى سياقات ومناسبات مختلفة، مقبلة على مرحلة ستشهد تطورًا اقتصاديًا كبيرًا، وستصبح مقصدًا مهمًا للشركاء الدوليين، وينبغى أن يقوم التعاون معها على أسس المصلحة المشتركة. وخلال مشاركته فى أعمال قمة الغد، يعتزم الرئيس طرح مختلف الموضوعات التى تهم الدول الإفريقية، خاصة ما يتعلق بتعزيز الجهود الدولية لتيسير اندماجها فى الاقتصاد العالمى، وتقديم المساندة الفعّالة لها فى سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ٢٠٣٠، ودفع حركة الاستثمار الأجنبى إليها، وبلورة رؤية مشتركة لدعمها فى مواجهة التداعيات السلبية لوباء «كورونا المستجد» على اقتصاداتها. 

الرئيس سيستعرض، أيضًا، استعدادات مصر لاستضافة قمة الأمم المتحدة المقبلة للمناخ، فى نوفمبر المقبل، التى سيكون أبرز أهدافها سد الفجوة بين التمويل المتاح وحجم احتياجات الدول النامية، لمواجهة تغير المناخ، مع منح دول القارة معاملة خاصة، لكونها، وبرغم عدم مسئوليتها عن تلك الظاهرة، تواجه تبعاتها الأكثر سلبية، وما يترتب عليها من آثار اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية.

الإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، الذى تتولى بلاده رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الأوروبى، سبق أن طالب بـ«إصلاح جذرى» للعلاقة «المتعَبَة قليلًا»، بفتح العين، بين القارتين. والحقيقة، هى أن العلاقة، كانت، ولا تزال، متعِبة جدًا، بكسر العين، للجانب الإفريقى، منذ أن قامت سبع قوى استعمارية أوروبية، خلال مؤتمر برلين ١٨٨٤-١٨٨٥، بتنظيم وتقسيم عمليات سلب ونهب دول القارة، وليس انتهاءً باستمرار استغلال ثروات غالبية دول القارة، بعد الاستقلال السياسى، عبر آليات الاستعمار الاقتصادى.

.. وأخيرًا، لم يعد أمام الاتحاد الأوروبى غير إقرار معادلة جديدة، تحكم علاقاته بالاتحاد الإفريقى، تحقق شراكة فعلية قائمة على الندية والمنافع المتبادلة، خاصة مع استمرار صعود التنين الصينى السريع إلى قمة النظام الدولى، اقتصاديًا وسياسيًا، مصطحبًا معه دول القارة السمراء «نحو مجتمع أقوى ومستقبل مشترك عن طريق التعاون المربح للجميع»، كما قال عنوان القمة الماضية لمنتدى التعاون الصينى الإفريقى، «فوكاك»، التى استضافت العاصمة السنغالية داكار، فى ٢٩ نوفمبر الماضى، المؤتمر الوزارى الثامن لها، تحت عنوان «تعميق الشراكة وبناء مجتمع صينى إفريقى ذى مستقبل مشترك فى عصر جديد».