رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. وبدأ أوليمبياد بكين السياسى

 

مع افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية الرابعة والعشرين، أكدت الصين، مجددًا، أنها أحد اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية، وبدأت تخوض مباريات سياسية، بمشاركة أكثر من ٢٠ دولة، أبرزها مصر وروسيا، ضد القوى، التى تتدخل فى شئون الدول الداخلية، وتؤجج الخلافات والانقسامات، وتحول دون تطور وتنمية البشرية. وفى ظل توتر العلاقات فى نصف الكرة الأرضية، بدا واضحًا أن النصف الآخر متحالف مع رجل الصين القوى، الذى أسقط اعتقادًا، ساد طويلًا، بأن اقتصاد السوق مرتبط بالنمط الغربى للديمقراطية.

الرئيس الصينى شى جين بينج، لم يغادر بلاده منذ يناير ٢٠٢٠، كما لم يستقبل أى رئيس دولة، أو مسئول أجنبى كبير، منذ زيارة الرئيس الباكستانى عارف علوى إلى بكين، أواخر سبتمبر ٢٠١٩. ومع الرئيسين المصرى والروسى، اللذين شاركا فى افتتاح أوليمبياد «بكين ٢٠٢٢»، شارك أيضًا أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، ومحمد بن زايد، ولى عهد أبوظبى، ومحمد بن سلمان، ولى عهد السعودية، وقاسم جومارت توكاييف، رئيس كازاخستان، والرئيس البولندى أندريه دودا، و... و... وغيرهم.

الحفاوة الكبيرة، التى تعاملت بها وسائل إعلام صينية مع هؤلاء، وتحديدًا مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى الصين، سبقتها حفاوة أكبر بالرئيس عبدالفتاح السيسى. إذ عرضت شبكة تليفزيون الصين الدولية، «CGTN»، مثلًا، مقطع فيديو لهبوط طائرة الرئيس، وأشارت فى تقرير إلى أن مصر هى أول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية. ووصفت العلاقة الصينية المصرية بأنها نموذج للتضامن والتعاون متبادل المنفعة، بين الصين والدول العربية والإفريقية.

تلك هى الزيارة السابعة للرئيس السيسى إلى الصين، منذ توليه الرئاسة فى ٢٠١٤. وكنا قد أنهينا مقال أمس بالإشارة إلى أن برنامج الزيارة يتضمن عقد مباحثات قمة مع الرئيس الصينى لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، التى تشهد طفرة نوعية على كل المستويات، إضافة إلى مواصلة المشاورات والتنسيق المتبادل حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وما من شك فى أن اللقاء «وجهًا لوجه» بين الرئيسين «يجسد الشراكة بين البلدين»، ويعطى «دفعة قوية لبناء مجتمع المصير المشترك بين البلدين فى العصر الجديد»، بحسب تعبير لياو ليتشيانج، سفير الصين بالقاهرة.

مصر كما قلنا أمس، تشارك سياسيًا وفنيًا فقط فى «بكين ٢٠٢٢». ومثلها فعلت روسيا، إذ لا تشارك الفرق الرياضية الروسية فى الألعاب بشكل رسمى، بينما شارك الرئيس بوتين فى حفل الافتتاح، وعقد لقاء قمة مع نظيره الصينى أشاد خلاله بالعلاقات الوثيقة «غير المسبوقة» لبلاده مع الصين. وفى إعلان مشترك، أعرب الرئيسان عن «قلقهما» حيال التحالف الدفاعى بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وطالبا بوقف توسيع حلف شمال الأطلسى، إضافة إلى تنديدهما بالنفوذ الأمريكى فى أوروبا وآسيا و«التأثير السلبى لاستراتيجية الولايات المتحدة فى منطقة المحيطين الهندى والهادى على السلام والاستقرار فى المنطقة». 

فى الإعلان المشترك، أكدت روسيا والصين أن الديمقراطية تمثل قيمة إنسانية عامة وليست امتيازًا لبعض الدول، وشدّدتا على أن محاولات بعض الدول فرض «معايير ديمقراطية» خاصة بها على بلدان أخرى تمثل إساءة للديمقراطية وتشكل خطرًا ملموسًا على السلام والاستقرار الدوليين وتقوض النظام العالمى. وبينما تواصل إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، وحلفاؤها أو ذيولها، اللعب بـ«كارت» حقوق الإنسان، تعهّدت روسيا والصين بالتصدى لأى تدخل خارجى فى شئون الدول ذات السيادة، تحت أى ذريعة كانت، وأكدتا معارضتهما «الثورات الملونة» واعتزامهما تطوير التعاون فى هذا الشأن، ووجهتا نداءً إلى كل دول العالم لـ«تعزيز التفاهم والدفاع عن القيم الإنسانية العامة، مثل السلام والتنمية والمساواة والعدالة والديمقراطية والحرية، واحترام حق الشعوب فى تقرير سبل تطوير دولها، واحترام سيادة ومصالح الدول».

.. أخيرًا، ومع تسليمنا بأن نجاح دورات الألعاب الأوليمبية، لا يعتمد على مشاركة المسئولين أو السياسيين، المحليين أو الأجانب، إلا أن مشاركة القادة والزعماء فى «بكين ٢٠٢٠»، ستحدث فارقًا مهمًا وكبيرًا فى الألعاب أو المباريات السياسية، التى لن تنتهى فى ٢٠ من الشهر الجارى، كنظيرتها الأوليمبية، بل ستظل مستمرة حتى يظهر نظام عالمى جديد يُنهى مرحلة احتكار الولايات المتحدة القرار الدولى.