رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخشت يرسم خارطة طريق لـ«عصر ديني جديد»

الخشت
الخشت

خطاب العصر الديني الجديد يستند إلى الوحي النقي المحتكم للواقع والعقل.. وهو وحده القادر على تحرير المعتقد من خرافات الأساطير ورجال الدين والكهنوت
 - المتعصبون لا يقرأون ولا ينصتون.. وإن أنصتوا لا يستمعون.. ويحرفون الكلم عن مواضعه.. وهذا دأب الكهنة المزيفين قديما وحديثا
- المتطرفون أصحاب عقول مغلقة تعود للإسلام ظاهراً وللجاهلية روحاً ومقاصد.. والتفكير النقدي يمثل أقصر الطرق لإخراج العقل المسلم من دوامة الاستسلام لقول "ولي" أو "داعية" أو "أمير جماعة"
- "التعليم الذكي" هو الوسيلة الأهم للتحرر من أغلال "العقل المغلق".. ونحتاج "ثورة علمية" تحرض العقل على "التفكير النقدي"

 في إطار سعيه المتواصل لتأسيس مشروع متكامل لعصرنة الخطاب الديني الإسلامي صدرت مؤخراً الطبعة الخامسة من كتاب "نحو تأسيس عصر ديني جديد" للدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة. الكتاب كما يظهر من عنوانه يستهدف بناء رؤية فكرية تنويرية يرتكن إليها العقل المسلم في سعيه إلى التفاعل الإيجابي مع معطيات العصر. وهي رؤية ترتكز على العودة إلى المنابع الصافية للكتاب والسنة المتواترة وتحفيز العقل النقدي وتعظيم أدواره كوسيلة للتعامل مع الموروث من ناحية ومستجدات الواقع من ناحية أخرى.
  يتبنى أستاذ فلسفة الأديان الشهير في كتابه الجديد رؤية مبتكرة وسط الدعوات والجهود التقليدية المبذولة حالياً في سياق تجديد الخطاب الديني، ترى أن الجهود المبذولة في مجال التجديد أشبه بعملية ترميم لبناء قديم، وتذهب إلى أن الأجدى من ذلك هو إقامة بناء جديد بمفاهيم جديدة ولغة جديدة ومفردات جديدة إذا أردنا أن الوصول إلى خطاب ديني عصري أو عصر ديني جديد.
  ويحدد "الخشت" نقطة البدء في التأسيس لعصر ديني جديد في تعزيز العقل النقدي القادر على القيام بمهمة الشك المنهجي وهو يتلقى الأفكار الموروثة أو المتناثرة في الواقع. فالشك المنهجي هو الوسيلة الأهم للخروج من دوامة التضليل وفوضى الأفكار إلى وضع أساس للتفكير الديني المنضبط، وهو التفكير الذى يلح عليه القرآن الكريم، وتشرح قواعده أدبيات التفكير العلمى المنهجي، ويكون الخروج من حالة الشك المنهجى بدليل عقلى برهانى أو بدليل استدلالى تجريبى أو سلطان حسى مبين، وليس بقول «ولى» أو «داعية» أو «أمير جماعة». 
  ويؤكد المؤلف أن الشك المنهجى يتخذ من المراجعات العقلية منهجاً للوصول إلى «الحقائق الواضحة والمتميزة»، ولكي نصل إلى ذلك لابد من القيام بعملية تفكيك للخطاب الديني التقليدي، واستكشاف المعتقدات الضالة التي تسربت إلى العقل المسلم من خلال كتب تزعم أنها كتب دينية، بما في ذلك عقل بعض العلماء الذين سقطوا في براثن الإسرائيليات والحكايات الموضوعة والروايات الضعيفة، بل سقط فيها أيضا بعض المفسرين مثل الطبري وابن كثير والسيوطي وغيرهم، حسب قوله.
  وفي مقابل خطاب ديني تقليدي يتضمن كثيرا من العناصر الأسطورية في رؤيته للعالم، فإن خطاب العصر الديني الجديد -كما يسوق "الخشت"- يسعى للعودة في المعتقدات إلى الوحي وحده في إطار العقل النقدي الذي يميز بين حدود الإيمان الخالص من جهة، وعالم الخرافة والأساطير من جهة أخرى، فالوحي النقي المحتكم للواقع والعقل يحرر المعتقد من ضلالات الاهتزاز النفسي، وأوهام الوجدان، وخيالات النفس، والموروثات الشعبية، وخرافات الأساطير والسحرة ورجال الدين والكهنوت والديانات المحرفة والوضعية. 
  ويذهب "الخشت" إلى أن الخروج بالعقل المسلم من دوامة الرؤية الأسطورية للعالم إلى رؤية عقلانية متماسكة يتطلب قدراً كافياً من الوعي بـ"مخاطر العقل المغلق" الذي يحكم المتعصبين ضد محاولات تجديد التراث الديني، هؤلاء الذين لا يقرأون، والأعجب أنهم لا ينصتون، وإن أنصتوا فهم لا يستمعون، فينسبون للمتحدث كلاما لم يقله، ويحرفون الكلم عن مواضعه، وهذا دأب الكهنة المزيفين قديما وحديثا، ودأب جماهيرهم التي تنقاد وراءهم انقياد القطيع إلا من له عقل نقدي يراجع به نفسه. ومشكلة المتطرفين التي يفندها المفكر المجدد، أنهم عقول مغلقة تعود للإسلام ظاهراً، والجاهلية روحاً ومقاصد، أما مشكلة التفكيكيين العرب فتتحدد في سيرهم حذو النعل بالنعل مع التفكيكية الغربية التى جاءت كتمرد على أنساق الحداثة. وكلا الطرفين يقدم فلسفة للتشظى والهدم والإقصاء، وكلاهما يشتركان في رفض الحداثة.
  ويضع "الخشت" روشتة للخروج من أغلال العقل المغلق إلى براح العقل المنفتح من خلال التأكيد على النهوض بالتعليم، والنظر إليه كجزء لا يتجزأ من نظرية الأمن القومي، ولن يتحقق ذلك إلا ببناء منظومة لـ"التعليم الذكي" القادر على إحداث ثورة علمية حقيقية تحرض العقل على التفكير النقدي وعدم الاستسلام للأفكار المتطرفة التي تروج لها الجماعات الإرهابية. التعليم الذكي هو وحده القادر على ترسيخ مفهوم "الإسلام الحر" داخل المجتمع، يما يؤكد عليه من حرية الاعتقاد الديني، والإيمان بالتعددية. وكما يقول المؤلف: "الإسلام الحر ليس إسلاماً آخر، وإنما الإسلام نفسه في طبعته الأولى الأصلية دون أقنعة أو تلوين سياسى أو اجتماعى من أجل مصالح فئوية. إنه عودة لمنابع النهر الصافية: القرآن والسنة الصحيحة".
  ويعد الدكتور "الخشت" رائدًا لعلم فلسفة الدين في العالم العربي، وذلك منذ ظهور كتاباته الأولى التي أسست لهذا التخصص منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، حيث مهد كتابه مدخل إلى فلسفة الدين (1993) لذلك. واستطاع التمييز بين العناصر العقلانية وغير العقلانية في الأديان، مُستندًا إلى المنهج العقلاني النقدي في كتبه: المعقول واللامعقول في الأديان، تطور الأديان، ونحو تأسيس عصر ديني جديد، والعقل وما بعد الطبيعة، وموسوعته معجم الأديان العالمية. وتجمع مؤلفاته بين التعمق في التراث الإسلامي والفكر الغربي، وتقديم رؤية جديدة لتاريخ الفلسفة الغربية تتجاوز الصراع التقليدي منذ بداية العصور الحديثة، كماتتميز بالجمع بين المنهج العقلي والخلفية الإيمانية، وغزل منهج جديد في فنون التأويل يرتكز على التعمق في العلوم الإنسانية والعلوم الشرعية وتاريخ الأديان والفلسفة.