رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حصاد مواجهة الشائعات

لزميلنا وصديقنا الكاتب الكبير علاء ثابت، رئيس تحرير «الأهرام»، كتاب مهم، صدر فى مثل هذه الأيام، منذ سنة، عنوانه «الشائعات.. بين تزييف الأخبار وغزو العقول»، ستدرك أهميته وقيمته حين تطالع التقرير، الذى أصدره المركز الإعلامى لمجلس الوزراء، أمس السبت، عن «حصاد مواجهة الشائعات وتوضيح الحقائق» خلال السنة الماضية.

مع تصدّيه اليومى للشائعات، عبر آليات فعالة ومتعددة، يقوم المركز بتحليل ما يتم رصده منها بشكل علمى ومنهجى. ولديه خطط لتطوير آليات العمل والرصد، بما يتواكب مع كل المتغيرات والمعطيات، إيمانًا بحق المواطن فى الحصول على المعلومات الصحيحة والموثقة، من مصادرها، وإدراكًا لأهمية رفع الوعى فى المجتمع باعتباره أحد عوامل استقرار الدولة وتقدمها ومواجهة المتربصين بها.

بعد استعراضه لعدد من الشائعات الأغرب والأخطر، وتلك التى استهدفت تشويه الإنجازات، خلال ٢٠٢١، توقف التقرير، أيضًا، عند شائعات عديدة تكررت وتم نفيها أكثر من مرة. وما قد يستوقفك، هو أن قطاع التعليم جاء فى صدارة القطاعات الأكثر استهدافًا بالشائعات، بنسبة ٢٥.٨٪، تلاه قطاع الاقتصاد بنسبة ٢٢.٦٪، ثم الصحة بنسبة ١٢.٢٪، والتموين بنسبة ١٠٪، والزراعة بنسبة ٥.٤٪، والكهرباء والوقود بنسبة ٥٪، والتضامن الاجتماعى بنسبة ٤.٧٪، ثم كل من الإسكان والسياحة والآثار بنسبة ٤.٣٪، والإصلاح الإدارى بنسبة ٣.٦٪، ولم ينل باقى القطاعات الأخرى غير ٢.١٪ من إجمالى الشائعات.

هذا الترتيب اختلف قليلًا بشأن الشائعات المتعلقة بفيروس «كورونا المستجد»، حيث حلّ قطاع الصحة فى المركز الأول بنسبة ٤٩.٣٪، ثم قطاع التعليم بـ٢١٪، والاقتصاد بـ١٣.٦٪، والتموين بـ٥.٩٪، والسياحة والآثار بـ٣.٣٪، والتضامن الاجتماعى، بـ١.٨٪، والزراعة بـ١.٥٪، وصولًا إلى وزارة الأوقاف التى كان نصيبها ٠.٤٪ فقط لا غير. واللافت أن تلك الشائعات، طبقًا للتقرير، انخفضت نسبتها بمقدار ٣٣.٥٪ من إجمالى عدد الشائعات، منذ مارس ٢٠٢٠، أى منذ بداية الأزمة فى مصر، حتى نهاية العام الماضى.

أنماط الشائعات وأهدافها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وتأثيرها فى حياة ومصائر الأمم المختلفة، تناولها علاء ثابت فى كتابه، الصادر عن «مركز الأهرام للترجمة والنشر»، عبر أربعة فصول، أولها يتناول الشائعات التلقائية، والثانى يعرض نموذجًا لتسييس الحوادث، ثم يرصد الفصل الثالث معارك مصر مع الشائعات، أما الفصل الرابع فيناقش الشائعات وحروب المستقبل.

بدءًا من المنادى وشائعات الغزاة، مرورًا على عصر تطور وسائل النقل واكتشاف التليغراف، ثم الإذاعة، ثم الإعلام العابر للقوميات أو مرحلة العولمة الإعلامية وظهور القنوات الفضائية، استعرض رئيس تحرير الأهرام التطور التاريخى للشائعات، وصولًا إلى التليفونات المحمولة وشبكات التواصل الاجتماعى، التى تحولت إلى «حصان طروادة» الجديد، وتسللت من خلالها آلاف الشائعات والأخبار المغلوطة، وكانت سببًا رئيسيًّا فى اندلاع ما يُوصف بـ«ثورات الربيع العربى»، وتمكنت من تدمير دول والعبث بمستقبل شعوب، قبل أن تتكشف الحقائق، وبعد أن دفع كثير من الدول فى منطقتنا العربية ثمنًا فادحًا من استقلاله وحريته.

دفع كثير من دول المنطقة، إذن، ومصر من بينها، ثمنًا فادحًا فى هذا الصراع الحتمى بين مطامع الأقوياء وغيبوبة الضعفاء. ومع ذلك، سيصدمك ما جاء فى التقرير الصادر عن المركز الإعلامى لمجلس الوزراء، عن زيادة نسبة انتشار الشائعات من ١.٧٪ سنة ٢٠١٤ إلى ٢٣.٥٪ فى ٢٠٢١، بعد تصاعد تدريجى من ٣.١٪ سنة ٢٠١٥، إلى ٦.٥٪ سنة ٢٠١٦، إلى ٩.٣٪ فى ٢٠١٧، إلى ١٢.٩٪ فى ٢٠١٨، إلى ٢٠.١٪ فى ٢٠١٩، إلى ٢٢.٩٪ فى ٢٠٢٠. وعليه، نتوقع أن تزيد النسبة، خلال العام الجارى والأعوام المقبلة.

إنها صناعة الكذب العميق، بحسب وصف علاء ثابت، تلك الصناعة الجديدة التى جعلت من الشائعة السلاح الأهم والأخطر فى القرن الجديد، والمدخل الرئيسى لما بات معروفًا فى الأدبيات المخابراتية الحديثة بالحروب الإلكترونية أو السيبرانية، التى تستهدف الأمن القومى، وشل قدرات الدولة، أى دولة، على البناء والتنمية.

أخيرًا، ومع استمرار جهود المركز الإعلامى لمجلس الوزراء فى نشر الحقائق والتصدى للشائعات، نتمنى أن تولى الدولة، بشعبها ومؤسساتها ووسائل إعلامها، أهمية أكبر لبناء الوعى بمفهومه الشامل.