رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رفض والده الاعتراف ببنوته.. جاك لندن من سرقة اللؤلؤ لأعظم كتاب أمريكا

جاك لندن
جاك لندن

يوم رحيله خرجت الصحف الأمريكية كلها وعلى صدر صفحاتها الأولى عنوان كبير أسود: "كفوا عن الضحك أيها الأمريكيون.. لقد مات جاك لندن". والذي تحل اليوم الذكرى السادسة والأربعين بعد المائة على مولده.

وجاك لندن، واحد من ألمع الأسماء التي ظهرت في سماء الأدب الأمريكي، ولد في مثل هذا اليوم من عام 1876 في سان فرنسيسكو، يتحدر من الشريحة البرجوازية الصغيرة، يعمل في خدمة الكادحين. ومات منتحرا عام 1916.

نشرت أولى قصصه عام 1899 في مجلة "أفرلاند مونثلي"، أما أول رواية ظهرت فكانت "ابنة الثلوج" عام 1902. في عام 1904 باشر كتابته لـ"ذئب البحار" وكان آنئذ يعمل مراسلا صحفيا، فكلف بالسفر إلى اليابان لتغطية أخبار الحرب اليابانية الروسية، وصدرت الرواية في العام نفسه لتحقق نجاحا منقطع النظير.

كانت حياته على قصرها - 40 عاما - شديدة الغنى والتنوع، وقد كتب في خلال الأعوام الستة عشر الأخيرة منها، 19 رواية، و18 مجموعة قصصية، وثلاث مسرحيات، وأكثر من 150 مقالة وثمانية كتب عن المجتمع وفي السيرة الذاتية من بينها "سنوات التكوين".

من المؤكد أنك إذا كنت قرأت: "ابن الذئب، ابنة الثلوج، نداء الغابة" من أعمال جاك لندن، ستتسارع أنفاسك من السطور الأولي مع الصفحة الأولي لأيا من هذه الكتب، وتظل رغم هذا ممسكا بالكتاب لا تفلته وقد أسرك أسلوب الكاتب وطريقته الفذة في تناول الأحداث ونقلاته المفاجأة في المواقف المثيرة التي يخلقها ثم يجد لها المخارج. وتبقي على هذا اللهاث وتسارع الأنفاس الفني المثير لا تمر عليك طيلة مدة القراءة لحظة واحدة من الملل حتى تنتهي من الكتاب.

ولعل هذه الظاهرة الفريدة في أسلوب جاك لندن هي التي دعت ناقدا مرموقا مثل برنارد شو، رغم الخصومة الأدبية التي كانت بينهما بأن يقول: “لقد رأينا السينما على صفحات الكتب التي ألفها جاك لندن قبل أن يعرف العالم السينما”.

ــ هكذا انعكس الصخب في حياة جاك لندن على كتاباته
كل شئ في حياة هذا الكاتب الصاخب المثير انعكس في رواياته حتى يخيل إليك إنك إن عرفت شيئا عن حياته، أنك تراه في كل أبطال رواياته. ويقول جاك لندن عن أعماله: “ما من كلمة في أيا من هذه الكتب إلا وهي موزونة بميزان واحد دقيق، ميزان الصدق. لا أحد ينكر أنني دعوت إلى الصدق طيلة حياتي، وأني أدعو شباب الأسرة البشرية كلها أن يجعلوا الصدق معيارهم الحقيقي. إذا تكلمت أيها الشاب فانطق بالصدق، وإن مددت يدك فأمددها بصدق، وإن سحبتها فبصدق، وإن أغلقت عينيك بالليل فأغلقها على كلمة صدق قلتها، أو على عمل صادق فعلته”.    

وعن تمسكه بالصدق كمعيار في الحياة والتشديد عليه، يقول جاك لندن: ولدت في رياء، وعشت فترة طفولتي في رياء، فنشأت لا أكره شيئا قدر ما أكره الرياء. في أحد أيام يوليو 1875  أي قبل مولدي بستة شهور تقريبا نشرت صحف مدينة مانشستر بإنجلترا هذا الخبر: فلورا ويلمان تتهم البروفيسير شيني بمحاولة إجهاضها، الزوجة تحاول الانتحار فتصاب في صدرها برصاصة غير قاتلة، القبض على الزوج".

فلورا ويلمان هي والدة جاك لندن، ولم يكن البروفيسير شيني يوما زوجا لها، فلم يعترف ببنوة لندن عندما ولد، وأمي امرأة شرسة سيئة السيرة لا حد لنزواتها، وطبعا لم تسكت على إنكار شيني لبنوتي بأمر قضائي، ورغم هذا فأمي أصرت على أن تعطيني اسم البروفيسير شيني، فصرت أمام الناس جاك شيني، أما شيني فعندما كان يقابلني مصادفة فكان يقول لي: لا أعتقد أنك ولدي، الحق أنني لست واثقا".

ويتابع جاك لندن في سيرته الذاتية: كتبت له مرة وأنا على أول درجات الشهرة على أمل أن تلين عريكته وهو علي فراش المرض، وقلت له: أيها العجوز الذي يتحاشي الناس، هل تستطيع أن تتحاشى ضميرك؟ أكتب إلي وقل أني ولدك، أو قل أني لست ولدك، لن أطالبك بأي إلتزام أبوي ولكن أطالبك باسم روحي المعذبة تبحث عن المصدر الذي نبعت منه، أن تقول ابن من أنا؟. فكتب إلي في برود قائلا: أنني لم أتزوج أمك ولست أحس نحوك بأي إحساس، أغلب الظن أنك لست ولدي ولماذا لا تكتفي بهذا.

ــ جاك لندن يهرب من نزوات أمه ويحترف السرقة
تلك كانت غشاوة الرياء الكريهة التي أسدلتها أم طائشة على حياة ولدها جاك لندن، وحتى حينما هاجرت به إلي أمريكا وتزوجت جون لندن وألحقت ولدها بزوجها الجديد، ظل الولد ينفر من اللقب الذي أحس أنه لا يملك منه سوى الحروف، وسربله الرياء أكثر وأكثر عندما رأى أمه تصر على نزواتها المريضة وتغازل شقيق زوجها، فهرب وأصبح من قراصنة اللؤلؤ في خليج أوكلاند.

وعن هذه التجربة يقول جاك لندن: لم تكن هذه السرقات بالمعني الحرفي للكلمة، كانت الحكومة قد أباحت الغوص بحثا عن اللؤلؤ في خليج أوكلاند، فكثر المتنافسون وصارت الكلمة للأعنف والأقدر على استخدام السكين. وقد كنت أنا الأقوي في خليج أوكلاند لأنني عملاق، عضلاتي من الفولاذ وجسدي في متانة جدار من الأسمنت، هذا هو نفس تكوين البروفسير شيني.