رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثـورة 30 يونـيـو.. والتـوازن الدولى «11»


وصفوة القول هو أن النظام القـطـرى لا يسعى فقط للانضمام للتحالف التى تسعى الولايات المتحدة إلى بنائه، بل أيضا للارتباط بها، عسى أن يتحول إلى ارتباط عـضوى على غـرار ارتباطها بـإسرائيل،

تساءلت فى سلسلة المقالات السابقة عن إمكانية بناء تحالف يضم إيران وتركيا وإسرائيل، مع ضم دول عـربية لإضفاء صفة التحالف الإقليمى عليه بما يتسق مع منظور الولايات المتحدة الجيوبوليتيكى، الذى يتمثل مساره الأول فى إدراك الولايات المتحدة الكامل بالتحولات التى طرأت عـلى بنيان النظام الدولى الراهن لتحوّله إلى نظام تتعـدد فيه الأقطاب وإن لم تتبلور ملامحه بعـد، الأمر الذى قد تنشأ معه حالة استقطاب قد تقوده إلى بناء تحالفات وتحالفات مضادة، وهدم توازنات قائمة وبناء توازنات جديدة، وبناء على ذلك حددتُ مسارها الثانى الذى يتمثل فى ضرورة وجودها فى منطقة الشرق الأوسط التى تُعـد من أكثر المناطق أهمية للاستراتيجيات العالمية والإقليمية، فقامت بتنويع أشكال وصور وجودها، فبدأت أولا بالحصول على تسهـيلات فى أهم مـوانئ المنطقة، وقامت ثانيا بغـزو واحتلال أفغانستان ثم العـراق، مع التخطيط لعدم مغادرة العـراق وقمت بتوضيح المبررات، ثم قامت ثالثا بإنشاء مخازن طوارئ للأسلحة الثقيلة فى إسرائيل وتركيا والأردن توفيرا لتكلفة ووقت وجهد النقل الاستراتيجى، وأنهيت المقال السابق بتساؤل يتعلق بسعى الولايات المتحدة إلى ضم دول عربية إلى هذا التحالف حتى تضفى عليه صفة التحالف الإقليمى، فما الدولة التى ستكون الأقرب للضم؟ وهو ما سأتناوله اليوم.

واختصارا للوقت والمساحة يمكننا أن نشير إلى أن قطر هى الدولة المعـنية اتساقا مع معـطياتها وتوجهاتها، فبالرغم من أنها تحمل فى كتلتها الحيوية ونظامها السياسى ضعـفا شديدا، إلا أنها تحتل موقعا استراتيجيا مميزا عـلى الشاطئ الجنوبى للخليج العـربى، تواجهها إيران وتظاهرها السعـودية «القوتين الأكبر فى منطقة الخليج»، تحيطها المياه لتشكل يابستها شبه جزيرة تتصل بالسعـودية، وتبلغ مساحتها الكلية 11 ألف كيلو متر مربع فقط وتشكل المياه 1,1 % من هذه المساحة، ويبلغ تعداد كتلتها السكانية حوالى 1,8 مليون نسمة منهم حوالى360 ألفاً بالتجنيس، ويبلغ ناتجها الإجمالى 150 مليار دولار، يحقق 100ألف دولار/ فرد / سنة كأعلى معـدل فى العالم، نظام حكمها وراثى تنتقل فيه السلطة تلقائيا نادرا، وعن طريق التآمر غالبا، حيث انقلب الأمير السابق على أبيه، بينما انقلب الأمير الحالى عـلى أبيه وأخيه، وأغلب الظن أن ينقلب الأمير القادم على أمه وأبيه وفصيلته التى تأويه، واتساقا مع هذه المعـطيات فإن التهديد الوحيد الذى يهدد هذا النظام هو إسقاطه من الداخل، ولذلك اندفع بكل قواه إلى الولايات المتحدة ليُقدم لها وطنه عـربونا لحمايته وبقائه ويكون تحت وصايتها وحمايتها، فقبلت الولايات المتحدة الهـدية التى جاءتها من حيث لا تحتسب، وعـقدت معه اتفاقية للتعاون الدفاعى!

ولوضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ استخدمت الولايات المتحدة المصطلح الجديد وهو الوجود الدائم لاحتلال هذه البقعة بالغة الأهمية الاستراتيجية، وجعـلت منها أكبر حاملة طائرات ثابتة، فأقامت قاعـدة جوية ضخمة فى منطقة العُديـِد جنوب غـرب الدوحة، وجهزتها بمدرج للطائرات يُعـد من أطول الممرات فى العالم، يمكنه استقبال أكثر من 100 طائرة بما فى ذلك القاذفات الثقيلة، وتتمركز بها من سلاح الجو الأمريكى المجموعة 319 استطلاع جوى ومجموعة القتال الجوى 379 Air Expeditionary Wing وتعـتبر هى القاعدة الوحيدة فى المنطقة التى تتمركز بها طائرات التزود بالوقود ، وتتمركز بها أيضا من سلاح الجو البريطانى مجموعة القتال الجوى 83.no التى تضم قاذفات ومقاتلات وطائرات استطلاع جوى، وقامت الولايات المتحدة بنقل مركز القيادة والسيطرة من قاعـدة الأميـر سلطان الجوية بالسعـودية إلى هذه القاعـدة.

كما أنشات قاعـدة السيلية لتكون مركزا للدعم الفنى واللوجيستى والإمداد والتموين، وصيانة وإصلاح الأجهزة والمعـدات العسكرية واللوجيستيات الأخرى، ويتم فيها تصنيع الدبابات والصواريخ والطائرات التى تذهب بشكل مباشر إلى إسرائيل، كما جهزتها بمخازن طوارئ للأسلحة والمعـدات والأجهزة والذخائر والدبابات تكفى لتشكيل فرقة مدرعة، ويعسكر بها حوالى 12 ألف جندى أمريكى، ويمكن لهذا المركز إمداد قواتها فى العـراق وأفغانستان باحتياجاتها.

وصفوة القول هو أن النظام القـطـرى لا يسعى فقط للانضمام للتحالف التى تسعى الولايات المتحدة إلى بنائه، بل أيضا للارتباط بها، عسى أن يتحول إلى ارتباط عـضوى على غـرار ارتباطها بـإسرائيل، حيث يقوم رأس النظام بدعم مبادراتها الإقليمية ماديا بما يضمن تحقيق أهدافها، فى مقابل أن يبقى النظام القطرى بمنأى عن التهديدات المحتملة، ويبقى بمأمن عن العـمليات الإرهابية، وللحديث بقية بإذن الله.

■ أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد