رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إكسبو دبي 2020 «2-5»

عندما زرت باريس للمرة الأولى عام ٢٠٠٦، وأثناء تجولى فى المدينة داخل حافلة سياحية، سيطر علىّ إحساس بأننى أتجول داخل صفحات كتاب من كتب الحواديت والحكايات القديمة، كل ما فى المدينة دقيق ومنضبط، المبانى المغلقة بأبواب خشبية لا تمنح سر ما بداخلها لعابر أو متطفل، الواجهات المتشابهة فى اللون والحجم، أصُص الزهور التى تطل من كل شرفة، ولم يكن تنوع ألوانها الزاهية إلا تأكيدًا للعالم الأسطورى الذى أمر به، كنت مسحورة بمدينة يغلفها ضباب خفيف وهواء شديد البرودة، يلسع وجهًا يشق طريقه محاذيًا لنهر السين. 

وقتها كنت أجهز لرواية «حُسن الختام» وكانت بطلتى «فنانة تشكيلية»، فعشت فى المدينة بروحها، وتتبعت خطواتها وهى تقف مشدوهة أمام لوحة الموناليزا فى متحف اللوفر، المسافة الفاصلة بين اللوحة والفنانة الشابة متر تقريبًا، حاولت الشابة أن تستنطق اللوحة، وتسألها بصوت خفيض لم يسمعه سواها: «ما هو سرك؟» لكن الموناليزا بقيت على صمتها، ودفع الطابور الطويل للواقفين فى انتظار مكان الشابة لأن تتحرك، بعد أن نبهتها موظفة بالمتحف أنها تعطل سير الطابور، سألت عن مكان لوحة العشاء الأخير لدافنشى، فأجابها أحد مرشدى المتحف أنها جدارية معروضة فى متحف ميلانو فى إيطاليا. وقتها عام ٢٠٠٦ كانت حمى رواية «شفرة دافنشى» لـ«دان براون» تجتاح العالم، حتى إن اللوفر حدد مسارًا لزيارة الأدلة والمعالم بمتحف اللوفر، الذى دار فيه أحداث الرواية، وحددت للجولة مبلغ ١٠٠ يورو، وكان سعر اليورو وقتها ٩ جنيهات. لم تهتم الفنانة الشابة بالمسار الروائى، وسـألت عن لوحة رنوار، ورسامى الحركة الانطباعية، فقد كانت مفتونة مثلهم بتأثير الضوء والظلال على الأشياء، فكانت المفاجأة أن متحف اللوفر يحوى الأعمال الكلاسيكية فى الفن، أما الأعمال الحديثة من التعبيرية والانطباعية والتكعيبية والوحشية والسريالية والتجريدية، فمكانها متحف دو أورسيه، سألت عنه وهل هو قريب؟ سمعت أنه على الضفة الأخرى من نهر السين وأنه يقع قريبًا- من وجهة نظر محدثها- من اللوفر، وما عليها سوى عبور الجسر الخشبى والاتجاه يمينًا بمحاذاة النهر حتى تجد المتحف المنشود الذى كان فى الأصل محطة سكة حديد وتحول إلى متحف للفن الحديث. 

عرفت الشابة هواء نوفمبر الباريسى البارد الحاد كسوط يضرب وجهها، ولم يكن هناك شىء بقادر على إيقاف خطواتها المُستئنسة بالبرج الأشهر فى العالم برج إيفل، حيث صاحبتها قمته فى سيرها الحثيث، وبرج إيفل لم يكن سوى الصرح المعمارى المشيد احتفالًا بالمعرض العالمى الكبير عام ١٨٨٩، فى هذا الوقت سمعت أيضًا عن إكسبو للمرة الأولى، وكيف أن هذا البرج المبنى من الصلب كرمز للمعرض لم يحظ فى بداية إنشائه برضا الباريسيين، وانطلقت حملة شعبية واسعة تدعو لتفكيكه. 

أترك فنانتى الشابة تواصل طريقها بجوار نهر السين، وأعود للحاضر بعد ١٧٠ عامًا من انطلاق المعرض العظيم أو إكسبو فى لندن عام ١٨٥١، بدعوة من الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت فى قصر الكريستال التاريخى، بهدف عرض ابتكارات الثورة الصناعية.. وتوالت إقامة المعرض فى البلدان الأوروبية وأمريكا دون إطار أو موعد محدد، بل كان المعرض يخضع للقوانين والشروط التى تضعها الدول المنظمة للمعرض، حتى أسس المكتب الدولى للمعارض اتفاقية منظمة لهذه المعارض فى ٢٢ نوفمبر ١٩٢٨ وتعرف باتفاقية باريس، حيث يشرف المكتب على عملية اختيار المدن التى ستنظم المعرض ويحرص على تنظيم وتنفيذ وتطبيق الاتفاقية وحُسن إدارة المعارض الدولية.

فى البداية، كان كل بلد مشارك تخصص له مساحة خاصة به فى الجناح المركزى للمعرض. ومنذ ١٨٦٧، بدأت الدول المشاركة فى إنشاء أجنحتها بنفسها وبأشكال مختلفة. وتمنح عدة ميداليات لأحسن دولة قامت بتقديم أحسن عرض لها، والدول التى أضافت شيئًا فى أحد المجالات العلمية.

والسؤال الذى يشغلنى الآن: متى كانت أول مرة شاركت فيها مصر فى المعرض العالمى؟ وماذا قدمت خلال مشاركاتها؟ سأحاول الإجابة.

وما زالت للحديث بقية.