رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا تجب محاسبة المدير الفنى للمنتخب بعد كأس العرب؟

كيروش
كيروش

«حتى المسيح لم يجد من يتفق عليه».. هكذا جاء رد البرتغالى كارلوس كيروش، المدير الفنى للمنتخب الوطنى الأول، على الانتقادات التى طالته عقب الخسارة أمام قطر، واكتفاء «الفراعنة» بالمركز الرابع فى بطولة كأس العرب.

مؤكد أنه لا يوجد شىء فى هذا الكون حاز على إجماع البشر، لكن ترديد هذه الكلمات وتلك الحِكم والأمثلة يكون عندما تعارضك قِلة أو ينال منك البعض، أما حينما تجتمع الأغلبية عليك وتكون الأصوات المعارضة لك أضعاف من يؤيدونك، هنا عليك أن تتوقف عن المكابرة، وتتراجع خطوة للوراء لإعادة الحسابات.

نعم ما قدمه «كيروش» فى بطولة كأس العرب ليس كارثيًا، خاصة أننا كنا فى سياق تجريب، وأمام فرصة كبيرة للاستكشاف والتعرف على طريقة لعب وعناصر جديدة، لكن من اللا عقل أن نعتبره «إنجازًا» كما حاول هو تصويره، قائلًا بعد مباراة قطر: «علينا أن نفخر بما قدمناه أمام منتخب صُنع فى أوروبا».

كان، ولا يزال، من الغريب والمستهجن جدًا أن يتحدث المدرب البرتغالى من منطلق «دونية» على طول الخط، فلا تعجبه ملاعب ولا ترضيه إمكانات، وإذا سألته عن طموحه ومشروعه يقول لك: «لا تسألنى عن منافسة فى بطولة لم يفز بها منتخب مصر منذ عام ٢٠١٠».. قاصدًا كأس الأمم الإفريقية.

ففى حقيقة الأمر إن منتخب مصر عندما تكتمل صفوفه يضم عناصر تجعله منافسًا وندًا قويًا للغاية لأى منتخب إفريقى، وكيف لا يكون كذلك وهو يملك لاعبًا بقيمة محمد صلاح، الذى يملك من الموهبة ما يجعله يرجح منظومة عن أخرى، حتى لو كانت منظومته هى الطرف الأقل؟

ما نود قوله فى هذا السياق، قبل تفنيد تجربة «كيروش» فى كأس العرب، إن منتخب مصر يضم محمد صلاح، اللاعب الأفضل فى العالم، ويضم محمد الننى، وسط ملعب أرسنال رابع الدورى الإنجليزى، ومحمود تريزيجيه وعمر مرموش، نجمين فى «البريميرليج» و«البوندسليجا»، إلى جانب مصطفى محمد، مهاجم بطل تركيا، الذى «تتعارك» عليه أندية فرنسية وإنجليزية، وبديله محمد شريف، الذى تحاصره عروض ألمانية وإيطالية.

نحن منتخب محمد الشناوى، أفضل حارس فى إفريقيا مع ميندى حارس تشيلسى، ومنتخب فيه أكرم توفيق الذى عجز أمامه كل جناح مهارى، وآخرهم نجم الجزائر يوسف البلايلى، ومنتخب يضم أحمد حجازى، المدافع الذى يعرفه الإنجليز، ووسط ملعبه ثلاثية الأهلى التى قهرت كل أندية إفريقيا: «السولية- حمدى فتحى- أفشة».

كل هذه الأسماء، غير أخرى شابة يترقبها مستقبل كبير، نحن فى غنى عن حصرها وشرح إمكاناتها وما يمكن أن تقدمه، لكن نريد فقط تأكيد أننا كنا، وما زلنا، منتخبًا كبيرًا قادرًا على المنافسة إذا ما وجد القيادة السليمة، وهذا يجعلنا ندعو «كيروش» للتوقف عن ترديد الذرائع و«التقليل» من «الفراعنة».

مهم للغاية أن يؤمن المدرب البرتغالى بذلك، لأنه دون إيمان فلا أمل بنتيجة ولا تحسن ولا تطور.

ودون خطة وهدف واستراتيجية فلا فائدة من التجريب الكثير الذى شاهدناه فى كأس العرب، فمن الغريب أن يتفاخر «كيروش» به وبتقديمه ١٠ عناصر جديدة لن يستمر منهم واحد أو اثنين فى التشكيل الأساسى حينما يعود القوام الرئيسى مستقبلًا.

لا أعرف هل يحاول «كيروش» خداعنا أم خداع نفسه حينما يتحدث عن تلك العناصر الجديدة، وهو فى الأساس يبحث فقط عن عنصر يلعب إلى جوار «صلاح» ومصطفى محمد فى الهجوم، وثانٍ يلعب جوار «الننى» و«السولية» فى وسط الملعب، وأنه فى سبيل البحث عن هذين العنصرين لتنفيذ خطة «٤- ٣- ٣»، التى تخدم «صلاح»، أقام «حقل تجارب» فى الدوحة كلفنا بالنهاية الخروج بصورة سلبية.

أزمة «كيروش» الأساسية فى كأس العرب، التى لم يرد الإفصاح عنها أو مواجهتنا بها، أنه يحاول فقط تطبيق طريقة لعب ليفربول، من أجل- بلغة الكرة- «التخديم» على محمد صلاح، وأنه ما ذهب لبطولة العرب فى الدوحة سوى للتجربة دون أى اعتناء بالنتائج.

يحاول «كيروش» استنساخ تجربة البرتغال مع كريستيانو رونالدو، التى تسعى لتسخير المجموعة لخدمة «النجم الأوحد»، لذلك قرر الاعتماد على «٤- ٣- ٣» رغم افتقاره أدواتها المُثلى، وفى سبيل تنفيذها ضحى بعناصر مهمة للغاية، مثل محمد شريف ومحمد مجدى «أفشة».

لن نجبر «كيروش» على اعتماد طريقة دون غيرها، لكن عليه التأكد أن ما يلقاه «صلاح» من دعم كبير فى ليفربول لن يجده هنا، وأنه لن يكون مثل «رونالدو» الذى تتشابه العناصر حوله فى الأندية والمنتخبات.

طريقة ليفربول التى يريدها «كيروش» تتطلب ظهيرين هجوميين مثل أرنولد وروبرتسون، الأكثر صناعة للفرص والأهداف فى أقوى دوريات العالم، وفى منتخبنا لا نمتلك ظهيرًا بتلك المواصفات الهجومية.

هذه الطريقة تتطلب محور وسط خارقًا يؤدى أدوارًا مركبة ومعقدة، فتارة يتحوّل لجناح مكان «صلاح» مثلما يفعل «أندرسون»، وأخرى تجده يدافع مكان الظهير «أرنولد» حينما يتقدم، وثالثة تجده مهاجمًا فى المساحات الميتة.

فى منتخب مصر لا يوجد غير عمرو السولية يجيد هذا الدور، وربما محمد الننى بعض الشىء، وإن كان قليل الإنتاج فى الثلث الأخير من الملعب.

كذلك هذه الطريقة بحاجة إلى مهاجم لا يتوقف عن الحركة بعيدًا عن الصندوق، ويفرغ المساحات وينطلق فى التوقيت المناسب، ورغم أن الوحيد القادر على ذلك هو محمد شريف، وجدناه يؤمن بمصطفى محمد ومروان حمدى، البطيئين للغاية خارج الصندوق وقليلى المردود فى الأسفل.

تسببت تجارب «كيروش» العديدة فى إفقاد «شريف» الثقة بنفسه، بعدما كان هدافًا لإفريقيا، ورغم أنه أنسب من يؤدى دور «فيرمينيو» مع ليفربول من أجل «صلاح».

كذلك جعل «أفشة» بلا قيمة، رغم أنه أنسب لاعب يمكن أن يتحوّل لمحور فى الشكل الجديد، لربط الخطوط وصناعة اللعب ومنح «صلاح» التمريرات التى يريدها.

فرّط فى عناصر مهمة، وربما نحتاج لكثير من أجل إعادة الثقة إليها، ورغم ذلك فرّط فى البطولة والمكسب المعنوى الكبير الذى كاد يخلصنا من ضغوط أكبر بانتظارنا فى أمم إفريقيا.

على «كيروش» أن يعى جيدًا قيمة المنتخب، وما يمكن أن يحققه، وألا يكابر بالإصرار على طريقة ليفربول، إذ لم تكن الأنسب وتسببت فى فقدان منتخبنا أفضل عناصره.

عليه أن يؤمن بأنه مثلما يريد ترقيع شكل خططى يلائم «صلاح»، فإن الأخير يمكن دمجه فى طرق مقاربة وتسمح باستغلال كل العناصر المتاحة فى نفس الوقت.