رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«١١٠ سنة نجيب»

الروح العظيمة.. «العالمي» يتحدث عن عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

لا يحتاج الحديث عن نجيب محفوظ إلى مناسبة أبدًا.. الكتابة عنه، أو قل الاحتفاء به، مناسبة فى حد ذاتها.. لكننا هذه المرة أمام مناسبة تستحق احتفاءً خاصًا.. إن يوم ١١ ديسمبر ليس عاديًا فى صفحات التاريخ.. وليس فى هذا أى مبالغة، ففيه ولد «النجيب»، أعظم من كتب بالعربية.

وفى مناسبة كهذه تصبح الحيرة كبيرة، فما الذى يمكن قوله عن «نجيب»، وما الذى يمكن أن نقدمه عن عظيم كهذا؟.. والحقيقة أن أى كلمات تتضاءل أمامه.. فتصبح الكتابة عنه نوعًا من الهراء.. وليعذرنا كل من يكتبون عنه.

أفضل ما يمكن أن تقدم أن تترك الساحة له هو ليتحدث.. نعم إنه قادر على الحديث دائمًا.. متجدد.. متدفق.. كأرض بكر لم يفض أحد بكارتها على كثرة «الحرافيش»!

ودائمًا هناك المخفى من كلام «نجيب».. ومن هنا تأتى أهمية هذا الكتاب الصادر عن «كتاب اليوم» تحت عنوان «ثرثرة مع نجيب محفوظ» لسهام ذهنى.

لقد كانت سهام ذهنى محظوظة أكثر من أى شخص آخر.. فلقد اقتربت من «الأستاذ»، وأجرت معه عشرات الحوارات فى موضوعات عديدة، بداية من الأدب ومرورًا بالحديث عن والدته وزوجته وابنتيه.. وصولاً إلى الحديث عن أمريكا «أكبر فتوة فى العالم الجديد».

فى هذه الحوارات تحدث نجيب محفوظ كما لم يتكلم من قبل.

أما ماذا قال؟.. فهذا ما تيسر من مقتطفات الحوار، كبداية لـ«أسبوع نجيب» هنا فى «الدستور».

 

«الفاروق» كان حاكمًا مثاليًا فى كل زمان ومكان

■ ما أكثر شىء أثر فيك فى سيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم؟

- السيرة كلها مؤثرة فسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- مثال للأمانة على الرسالة، وقد بلغها وعانى فى ذلك ما عاناه، ثم إنه حقق ما نادى به فى شكل دولة وعلاقات إنسانية، فعظمته كبيرة جدًا.

■ من الشخصية التى انبهرت بها فى التاريخ الإسلامى؟

- عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب.

■ لماذا؟

- عمر بن الخطاب كحاكم يعتبر حاكمًا مثاليًا فى أى زمان ومكان.

على بن أبى طالب الفارس الشهم، الحكيم، القاضى، البليغ.

توقف الاجتهاد «كارثة العصر» والإسلام لا يطبق بالشكل الصحيح

يقول نجيب محفوظ: لو كان الإسلام يطبق بالشكل الصحيح فى الدار الإسلامية لما أصبح هذا هو الوضع، وقد حاولت أن أؤكد هذا المعنى فى مناقشات الرحالة «ابن فطومة». وتتفرع من هذه القضية عدة قضايا لعل أهمها وأكثرها تأثيرًا هى قضية الاجتهاد فى الإسلام، وهى بكل تأكيد أحد أسباب ما نحن عليه الآن.

وفى رحلة «ابن فطومة» تأكد هذا المعنى خاصة فى الحوار بين الرحالة وزوجته:

«هذه فعلا إحدى كوارث هذا العصر، فالاجتهاد توقف، وكل التأخر الذى حدث للبلاد الإسلامية كان بسبب توقف الاجتهاد. ووقعت معظم البلاد الإسلامية ضحية شرائع كثيرة اضطرت أن تستوردها لأنها توقفت عن التفكير. ولو أنها استمرت فى التفكير لواجهت عصر اليوم بكل يسر فى كل قضية مع الاحتفاظ بالقيم الإسلامية وبالمعاصرة».

«والإسلام حقيقة يناسب كل عنصر لأنه يملك الطاقة والمرونة للتطور، وهذا لن يتأتى إلا بالاجتهاد، فالإسلام عندما خرج من الجزيرة العربية واجه حضارات، لو سار بالأسلوب الذى سار به فى الجزيرة لما استمر فى العراق أو سوريا أو مصر، لكن الإسلام عاش بالاجتهاد والمرونة الفكرية، فأصبحت مبادئه العامة صالحة لكل عصر، وحلًا لهذه المعادلة نقول فعلًا إن الوسط أفضل الأشياء، فهناك مبادئ إسلامية خالدة لا تتغير مثل العبادة والتسليم لله وحده، ومثل الفرائض، لكن فيما يتعلق بالمعاملات فى الأسرة وفى المجتمع وفى الاقتصاد نشأت أشياء جديدة تحتاج إلى نوع من الاجتهاد، فالزمن الذى تغلب عليه التجارة والزراعة تلاه زمن صناعى أول وثان وثالث لم يكن المسلمون الأوائل قد سمعوا به من قبل، فهناك أشياء لا بد فيها من الرجوع إلى النبع الصافى. وأشياء يكون فيها الاجتهاد على ضوء هذه المبادئ بما يوافق روح العصر، فهل فى الإسلام مثلًا تنظيم للفضاء بعد غزو الفضاء؟ لا. وهذا طبعًا يحتاج إلى تفكير جديد.

أول مرة صليت فيها حين كان عمرى ٧ سنوات

■ أسأل أستاذنا الكبير نجيب محفوظ: هل تذكر أول مرة أديت فيها الصلاة؟

يرد: فى سن ٧ سنوات تقريبًا.

■ ما تأملاتك حول الصلاة؟

- الصلاة عبادة ورياضة نفسية وتجربة أخلاقية كبيرة.

■ هل تذكر أول مرة صمت فيها؟

- أول مرة صمت فيها كان عمرى أيضًا ٧ سنوات، وكنت أطلع فوق السطوح أنظر إلى مئذنة سيدنا الحسين انتظارًا لصعود المؤذن ليؤذن لصلاة المغرب.

■ فى روايتك «ابن فطومة» قلت لو كان الإسلام يتم تطبيقه بالشكل الصحيح فى البلاد الإسلامية لما أصبح هذا هو حالنا، فكيف ترى التطبيق الصحيح للإسلام؟

يرد: أغنانى عن الإجابة أئمة الإسلام مثل الشيخ محمد عبده، إن الطريق الصحيح هو بالاجتهاد.

■ تكررت فى رواياتك بصورة مختلفة أزمة البطل مع الدين أو فى البحث عن سر الحياة. بعد مرور سنوات طويلة على كتابتك لتلك الروايات كيف تنظر الآن لهؤلاء الأبطال؟

- إذا كانت الأزمة مدعاة للفكر، إذن هذا شىء جيد، البعض فى سن المراهقة، وغرور الشباب يبتعد عن الدين، ثم بالتأمل والنضج يعود إليه فكأنه قد دخل الإسلام من جديد، لكن بالعقل وليس بالوراثه.

■ أقول: بمرور الزمن اختلفت معالجتك لأزمة وقوع الإنسان فى أخطاء لم يكن يريد ارتكابها، فى «زقاق المدق» عالجتها بطريقة، ثم بعد ربع قرن فى رواية «قلب الليل» عالجتها بطريقة أخرى، كما عالجتها أيضًا فى «اللص والكلاب» والآن بعد مرور كل هذه السنوات هل اختلفت نظرتك لهذه الأزمة؟

- لم يحدث أن قرأت رواية لى مرة أخرى بعد صدورها.

■ لكن ألا يزورك أبطالك فى الخيال؟

- لا، أبدًا، فهم ينفصلون بمجرد خروجهم إلى الورق ويصبحون ملكًا للناس.

■ ألا يخطر على بالك أى بطل من أبطال رواياتك؟

- قليلًا ما يحدث هذا.

■ مثل مَن الذى زارك مؤخرًا؟

- يزورنى بعض الأبطال الذين تكون لهم أصول فى الحياة عزيزة علىّ مثل أبطال «المرايا».

«الرحمن» أحب سور القرآن إلى قلبى

فى بيته فاجأنى الكاتب الكبير عندما قلت له إننا فى شهر رمضان شهر القرآن أن أخذ يرتل آيات من سورة الرحمن حيث لم يكتف بالإجابة عن سؤالى حول أكثر سور القرآن الكريم تأثيرًا فى نفسه، بل لقد برهن لى على ذلك بصوته الشجى وهو يرتل الآيات الأولى من السورة.

■ قلت له: إذن أنت تحفظ سورة الرحمن؟

فرد بصراحة أنه لا يحفظها بالكامل.

وعندما سألته عما إذا كان يحرص على قراءة القران الكريم فى رمضان بالذات.

إذا به يرد: بل إننى عندما كنت قادرًا على القراءة كنت أحرص على قراءة القرآن الكريم خلال العام كله وليس فى رمضان وحده.

ثم يذكر لأول مرة أن برنامجه اليومى كان قد خصص به وقتًا معينًا لقراءة القرآن الكريم، حيث يستكمل يوميًا القراءة من حيث توقف فى اليوم السابق، وبالتالى يختم القرآن الكريم كل فترة ليبدأ فى قراءته من جديد وهكذا.

■ أسأله: من هو المقرئ الذى تحب الاستماع إلى القرآن الكريم بصوته؟

- يرد: الشيخ على محمود.

■ هل كنت تحرص على القراءة فى تفاسير القرآن الكريم؟

- يرد: قرأت عدة تفاسير للقرآن الكريم.

كنت أحب المشى فى القاهرة كلها لكن المرض منعنى

■ وهل هناك مرحلة معينة من حياتك تستعيدها حاليًا؟

- أحيانًا أتذكر أيام الطفولة والأصدقاء الذين كانوا معنا ورحلوا.

■ ما الذى يؤثر فى الإنسان أكثر.. الزمان أم المكان؟

- الزمان والمكان كلاهما شىء واحد لا ينفصل عن الآخر، لكن إذا كان الإنسان فى مكان ثابت يصبح الزمان هو المؤثر فيه، أما إذا كان متحركًا فى أمكنة عديدة، إذن المكان هو الذى يؤثر فيه مثل الزمان وأكثر.

■ المحامى «عادل كامل» صديق عمرك فى «شلة الحرافيش» قرر الهجرة إلى أمريكا بعد أن تجاوز سن السبعين، أليس من الغريب أن يهاجر الإنسان فى مثل هذا العمر الكبير؟

- «عادل كامل» هاجر من مدة لأن بناته الثلاث تزوجن فى أمريكا، وكان يزورهن كل عام، ثم طلبن منه البقاء معهن باعتبار أنه ليس له أحد فى مصر بعد أن توفيت زوجته، كان مترددًا فى البداية ثم حصل على الجنسية وبقى هناك.

■ أستاذ نجيب محفوظ معروف عنك الانتظام الشديد فى المواعيد، وكان لك طوال عمرك نظام يومى محدد.. كيف أثر الزمن على هذا النظام حاليًا؟

- كل شىء تغير، أنا الآن أنام بمنوم، فأتأخر فى النوم فى المساء، وبالتالى أتأخر فى الاستيقاظ فى الصباح، لكنى لا أنام كثيرًا، حيث أصحوا حوالى الثامنة أو الثامنة والنصف ثم يأتى لى صديقى الذى يقرأ لى جريدة الأهرام ثم يأتى الطبيب الذى يعالج يدى، وبعد الظهر، فيما عدا يوم السبت، يزورنى الأصدقاء نخرج ونجلس فى أحد الأماكن، أستمع لأحاديثهم، أما يوم السبت فأقابل فيه «محمد سلماوى» لحوار الأهرام وللمقابلات الشبيهة بلقائى هذا معك.

■ هل التمشية فى البيت بأمر الطبيب؟

- لا . أنا كنت أحب المشى، وكنت أحب أمشى فى القاهرة كلها، والآن أمشى فى هذه الصالة.

■ ما الفرق بين التمشية فى القاهرة والتمشية فى البيت؟

- فى القاهرة كنت أمشى خلال ساعات الصباح الصافية وفى شوارع النيل والأندلس وأماكن جميلة، أما هنا فأنا أمشى بين أربعة جدران.

■ ألا تشعر أنك تحفظ تفاصيل الجدران وكل الأركان حولك؟

- فعلًا، ويتم الإفراج عنى بالخروج بعد الظهر.

سعاد حسنى أجمل نجمة عرفتها مصر.. وشادية اهتدت لما هو أعظم من النجومية

قبل نهاية الحوار مع الكاتب الكبير نجيب محفوظ طلبت منه أن يلخص لنا مدى تأثير السنين على الإنسان.

فرد أن السنين تأخذ وتعطى، فالسنون تزيد الإنسان فى جوانب مثل المعرفة والخبرة لكنها تأخذ منه فى جوانب أخرى مثل الصحة.

■ قلت: لكن السنين تؤثر فى البعض بصورة أشد، وذكرت له مثالًا لذلك ما جرى مع الفنانة سعاد حسنى التى ابتعدت عن المجتمعات وعن التمثيل على الرغم من أنها لم تعتزل، وأن هناك من وصفوا ابتعادها بأنه اكتئاب، وطلبت من كاتبنا الكبير التعليق على حالة سعاد مع الزمن.

وإذا بإجابته دون أن أقصد تعود بحوارنا إلى الدين والالتزام الدينى، مثلما كانت بداية حديثنا عن الدين بمناسبة شهر رمضان.

حيث أجاب ببلاغة قائلاً: إن قسوة الزمن على النجوم واضحة. سعاد حسنى كانت أجمل نجمة عرفتها مصر، وكانت سمعتها الفنية عالية جدًا. بالتالى عندما يكبر شخص بهذه الحالة ولا يجد المجال مفتوحًا لمواهبه مع تغير الزمن فقد يحدث له أحد أمرين، إما أن يكتئب أو أن يهتدى لما هو أعظم من النجومية، مثلما فعلت الفنانة «شادية».

■ أقول: لقد ارتدت الفنانة شادية الحجاب واعتزلت.

فيؤكد كاتبنا الكبير ما سبق أن قاله حيث يضيف: لقد استبدلت شادية شيئًا بشىء والجديد أقيم وأعظم.